أشارت دراسة علمية حديثة إلى أن نظام الكيتو الغذائي، المعتمد على تناول كميات...
Vous n'êtes pas connecté
العزلة الاجتماعية أثر جانبي خفي للطقوس القهرية العلاج السلوكي والدوائي طريق مزدوج نحو التعافي الخوف من وصمة العار يمنع التشخيص ويؤخر العلاج توجهات علاجية حديثة من أبرزها التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة نورة وسارة.. نموذجان من الواقع تكشفان وجه الوسواس القهري في زمن تتسارع فيه وتيرة الحياة وتتعاظم الضغوط اليومية، يواجه عدد متزايد من الناس صراعا خفيا مع اضطرابات نفسية تهدد جودة حياتهم واستقرارهم النفسي، ومن أخطر هذه الاضطرابات وأكثرها تعقيدا هو “الوسواس القهري”، ذلك العدو الصامت الذي يتسلل إلى أذهان المصابين به؛ ليجعل من أبسط الأمور معاناة لا تنتهي. الوسواس القهري ليس مجرد تكرار عشوائي لسلوك معين، بل هو اضطراب نفسي عميق يُجبر الشخص على أداء طقوس قهرية متكررة، تهدف إلى تهدئة الأفكار المزعجة التي لا تفارق ذهنه، من بين أكثر هذه الطقوس إيلاما وتعبا هي حالة التفقد المستمر، حيث يجد المصاب نفسه مضطرا إلى إعادة التحقق من المفاتيح، الأبواب، أو الأجهزة الإلكترونية مرات ومرات، حتى يتحول الأمر إلى سجن ذهني يستنزف وقته ويجهد ذهنه بلا هوادة. هذه الحالة ليست مجرد عادة غريبة، بل هي نتيجة خلل في مناطق الدماغ المسؤولة عن التحكم بالقلق والسلوك، مدعومة بعوامل وراثية وبيئية تجعل المصاب أسيرا داخل دوامة لا نهاية لها. وفي منطقة الخليج العربي، تتزايد هذه الظاهرة بشكل ملحوظ، خصوصا بين الشباب، الذين يواجهون ضغوطات متصاعدة نتيجة التحولات الاجتماعية والاقتصادية، إلى جانب تحديات العمل والدراسة التي تكاد لا تفارقهم. وبينما ينهار البعض تحت وطأة هذه الأعراض، يعيش كثيرون في صمت وخوف من وصمة العار المرتبطة بالأمراض النفسية، ما يعوقهم عن طلب المساعدة في الوقت المناسب، ويضاعف معاناتهم ويعقد فرص شفائهم. في هذا التحقيق، نسلط الضوء على الوسواس القهري، نكشف عن أرقامه المنتشرة في العالم عموما والبحرين تحديدا، ونغوص في أعماق أسبابه وتأثيراته؛ لنروي قصصا حقيقية تنقل صوت المرضى وتبرز التحديات التي تواجههم وسط مجتمع ما يزال بحاجة لفهم أعمق ودعم أكبر. بداية الكابوس في لحظة واحدة، انقلب عالم نورة رأسا على عقب، كانت تعيش حياتها ببساطة، لا تعرف شيئا عن الخوف أو الوسواس، حتى جاء ذلك اليوم المشؤوم، وصلت متأخرة إلى قاعة الامتحان، هاتفها كان بحضنها في السيارة، لكن حين نزلت، لم تشعر أن شيئا قد سقط. لم تعرف أن هاتفها قد اختفى في تلك اللحظة، واختفى معه جزء من أمانها، بعد انتهاء الامتحان، فتحت حقيبتها لتجدها فارغة، قلبها توقف للحظة، ثم بدأ ينبض بجنون الخوف، بدأت رحلة بحث يائسة: الطرقات، القاعة، حتى زوايا لم تطأها من قبل، وكأنها تبحث عن ظل مفقود يهدد بكسر حياتها. هرعت إلى قسم الأمن، لكن الرد كان كالصاعقة: لا هاتف، لا أثر، لا أمل. عادت إلى السيارة، وهناك، تحت الإطار، كان الهاتف ممددا على الأرض كجثة باردة، لكن هذا الاكتشاف لم يجلب لها الراحة، بل كان بداية كابوس لا نهاية له. لم يكن ما أصاب نورة قلقا عابرا، بل وسواس تسلل إلى تفاصيل حياتها، وسيطر على يومها بالكامل، صارت تتفقد حقيبتها عشرات المرات، تفتحها وتغلقها بلا سبب، تقلب محتوياتها وكأنها تبحث عن شيء ضائع لا تعرفه، قبل أن تقود سيارتها، تتأكد من كل شيء فيها: الأبواب، المقعد، الأرضية، وحتى بعد انطلاقها، تعود لتفقدها من جديد. بات خروجها من المنزل تحديا، والعودة إليه اختبارا للذاكرة والخوف، أرهقتها الطقوس اليومية، أرهقها الشك. أما علاقاتها، فتراجعت بصمت، ابتعد الأصدقاء عنها، وصارت نظرات العائلة تحمل مزيجا من الحيرة والشفقة، لم تعد نورة تلك الفتاة العفوية، بل صارت سجينة فكرة واحدة: ماذا لو نسيت شيئا؟ ماذا لو ضاع من جديد؟ صدى الماضي لم تكن نورة وحدها في هذا النفق المظلم؛ فقبلها بسنوات، عاشت سارة تجربة مشابهة، حين كانت عروسا سعيدة بدأت حياتها في منزل جديد لم يكمل عامه الأول حتى تعرض للسرقة، وسُرقت حينها حقيبتها التي كانت تحتوي على جزء من مبلغ تجهيزات المنزل، ومنذ ذلك اليوم تغيّر كل شيء، إذ لم تعد تنام بطمأنينة، وأصبحت تستيقظ فجأة لتتأكد أن حقيبتها ما تزال في الخزانة، وتطور الأمر لاحقا ولازمها الوسواس القهري، فأينما ذهبت باتت تتفقد الحقيبة ومحتوياتها مرارا، ومرّت السنوات لكن الخوف لم يمر، وظلت تلك اللحظة تعيش بداخلها، تثبت أن بعض الجروح لا تُرى.. لكنها لا تلتئم”. قصتا نورة وسارة ليستا استثناء، بل هما وجهان لمعاناة يعيشها كثيرون بصمت، حيث يتحول الخوف إلى طقس يومي، والوسواس إلى شريك دائم في تفاصيل الحياة. انتشار متزايد تشير التقارير العالمية إلى أن اضطراب الوسواس القهري يصيب بين 1 % و3.2 % من الأشخاص أثناء حياتهم، أما نسبة المصابين بفترة 12 شهرا فتتراوح بين 0.3 % و3.0 %، بينما تتراوح النسبة في 30 يوما بين 0.3 % و3.1 %، وتُظهر البيانات في مناطق مثل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وشرق المتوسط أرقاما مشابهة لهذه المعدلات، ما يدل على انتشار هذا الاضطراب بشكل متقارب في هذه المناطق مقارنة ببقية العالم. وكشفت دراسة مقطعية حديثة نُشرت في العام 2024، عن انتشار أعراض الوسواس القهري بين البالغين في مراكز الرعاية الصحية الأولية في مملكة البحرين، إذ شملت 614 مشاركا بمتوسط عمر 30 عاما، وكانت غالبية العينة من النساء (82.5 %)، والبحرينيين (96.4 %). وأظهرت النتائج أن 15 % من المشاركين يعانون من أعراض الوسواس القهري، وهو ما يعادل شخصا من كل 8 بالغين، وهي نسبة مرتفعة نسبيا مقارنة بدراسات سابقة في المملكة، كما تبين أن 85 % من المصابين ظهرت لديهم أعراض خفيفة، بينما كانت الفئة الأكثر عرضة للإصابة من العزّاب، الطلبة، غير البحرينيين، ومن هم في مرحلة البكالوريوس. وتعد هذه الدراسة من أوائل البحوث الوطنية التي تقدم بيانات ميدانية حديثة بشأن هذا الاضطراب النفسي الشائع، وتسهم في تسليط الضوء على الحاجة إلى رفع الوعي المجتمعي بأعراضه، وأهمية الاكتشاف المبكر والتدخل العلاجي المناسب. وبالمقارنة مع دراسات سابقة في البحرين، التي قدرت نسبة الإصابة بالوسواس القهري بـ 0.05 % في العام 1998، و6.1 % بين مراجعي العيادات النفسية لاحقا، فإن هذه النتائج تشير إلى زيادة ملحوظة في الوعي والتشخيص. القلق والوسواس وعلى الرغم من أن القلق والوسواس القهري التحققي اضطرابات تتبع لما يتعارف عليه بالأمراض العصابية، وفيها يكون المريض مدركا أنه مريض ويبحث عن العلاج، ويشتركان في بعض الأعراض، إلا أن لكل منهما تشخيصا وخصائص مميزة تفرق بينهما. وفي هذا الصدد، يوضح استشاري الطب النفساني د. طارق المعداوي الفروق الأساسية بينهما، موضحا أن القلق يتمثل في شعور المريض بالتوتر المستمر والعصبية والدفاعية، إلى جانب اضطرابات في النوم والشهية، وظهور أعراض جسدية متعددة، أما الوسواس القهري التحققي، فيتميز بوجود أفكار متكررة ومسيطرة على الذهن تدفع المريض إلى تكرار أفعال معينة مثل غسل اليدين أو التحقق من تنظيف الأشياء بشكل مفرط ومبالغ فيه، وقد تستغرق هذه الأفعال ساعات، مع وعي المريض التام بأن هذه الأفكار غير منطقية ولا فائدة منها. يذكر أن الوساوس عادة ما تؤدي إلى ظهور أعراض القلق، ما يجعل الفهم الدقيق لكل حالة أمرا ضروريا للتشخيص والعلاج المناسب. عوامل متعددة ومع أن أسباب تعرض الفرد للوسواس القهري لم تُفهم بالكامل بعد، إلا أن هناك نظريات رئيسة عدة تحاول تفسير ذلك، ويشير المعداوي إلى أن هذه الأسباب تشمل عوامل حيوية مثل تغيرات في كيمياء المخ واضطرابات في وظائف مناطق معينة في الدماغ، إلى جانب وجود استعداد وراثي يظهر في بعض العائلات. كما تلعب عوامل التعلم دورا مهما، إذ يمكن أن يكتسب الفرد المخاوف الوسواسية والسلوكيات القهرية عبر مراقبة أفراد الأسرة، وإضافة إلى ذلك، قد تسهم اضطرابات الصحة العقلية الأخرى مثل الاكتئاب أو تعاطي المخدرات في ظهور أعراض الوسواس القهري. مفتاح الشفاء يعتمد علاج اضطرابات الوسواس القهري بشكل رئيس على طريقتين أساسيتين: العلاج النفسي والأدوية، ويوضح د. المعداوي بهذا الصدد، أن العلاج السلوكي المعرفي يُعد من أنجح أنواع العلاجات النفسية، حيث يساعد المريض على تطوير مهارات تمكنه من السيطرة على الأفكار الوسواسية وتقليل تكرار الأفعال القهرية. أما من الناحية الدوائية، فتهدف الأدوية إلى إعادة التوازن لكيمياء المخ والموصلات العصبية، ما يؤدي إلى تحسن واضح في الأعراض. وغالبا ما يبدأ العلاج بجرعات منخفضة لتفادي الأعراض الجانبية، ثم تُعدل الجرعات لاحقا بناء على استجابة المريض، مع الإشارة إلى أن الشعور بالتحسن قد يستغرق أسابيع عدة أو حتى شهورا. ويبين المعداوي أن هناك توجهات علاجية حديثة، من أبرزها التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة، وهو إجراء آمن ومعتمد يُستخدم في الحالات التي لا تستجيب للعلاج الدوائي التقليدي. حياة مضطربة يؤثر الوسواس القهري بشكل سلبي على حياة الأفراد الذين يعانون منه، حيث يلازمهم شعور دائم بالضيق والانزعاج، إلى جانب الإحساس بالذنب نتيجة عدم قدرتهم على السيطرة على أفعالهم القهرية، كما يعانون من إرهاق نفسي وعقلي بسبب الجهد المستمر الذي يبذلونه لمجاراة تلك الأفكار والسلوكيات. وفي هذا السياق، تشير المختصة النفسية والأسرية ندى نسيم إلى أن الأشخاص المصابين غالبا ما يواجهون صعوبات في إنجاز مهامهم اليومية، إذ قد يستغرقون وقتا طويلا في مقاومة الأفكار أو تنفيذ الطقوس القهرية، ما يؤدي إلى التأخر عن العمل أو عدم الوفاء بالالتزامات الاجتماعية والمهنية، ويؤثر ذلك سلبا على جودة حياتهم عموما. قلق مستمر يعتقد البعض أن الحذر الزائد قد يكون شكلا من أشكال الوسواس، إلا أن هناك فرقا جوهريا بين السلوكين، وتوضح نسيم أن الشخص الحذر يخلق هذا الحذر بإرادة ورغبة منه ويتصرف بناء على وعي ورغبة داخلية، ويكون قادرا على التحكم في سلوكياته وأفكاره دون أن يشعر بالضيق أو القلق، بل يمكنه التوقف متى أراد، خصوصا عند تقدير أن الموقف لا يستدعي الحذر. أما المصاب بالوسواس القهري فلا يستطيع التحكم في سلوكياته التي تكون خارج إرادته، بفعل الأفكار القهرية الملحة التي تجبره على سلوكيات غير مدركة في بعض الأحيان تأخذ طابع التكرار، وتسبب هذه السلوكيات الخارجة عن إرادته مشاعر سلبية مستمرة من القلق والانزعاج، وقد تستمر لأيام أو حتى شهور، مع عدم القدرة على التوقف أو التحكم. عزلة اجتماعية يميل كثير من المصابين بالوسواس القهري إلى الانسحاب من محيطهم الاجتماعي بدرجات متفاوتة، إذ تتفاوت شدة هذا الانعزال بين شخص وآخر بحسب طبيعة الأعراض وتأثيرها على الحياة اليومية، وتبين نسيم أن ذلك يرجع إلى شعور الشخص المصاب بأنه يعيش في دائرة مختلفة عن الآخرين، ما يولد لديه أفكارا ومخاوف عديدة بعدم قبول الآخرين له وعدم إصدار حكم يشعره بالدونية نتيجة ما يعانيه. كذلك، قد تؤدي بعض أنواع الوسواس، مثل وسواس النظافة، إلى خوف مفرط من التلوث والجراثيم، فيتجنب الشخص الاختلاط بالآخرين تماما، ما يزيد من مسافة العزلة الاجتماعية، وهذا الانسحاب يشمل أحيانا قلة التواصل مع العائلة والأصدقاء، بل قد يمتد إلى الانعزال في بيئة العمل. كما تشير نسيم إلى أن بعض الأشخاص المصابين بالوسواس القهري قد يعانون أيضا من اضطرابات نفسية أخرى مثل الاكتئاب، وهذا بدوره يزيد من احتمال العزلة الاجتماعية ويعزز رغبتهم في الانسحاب من الحياة اليومية عموما. وصمة العار وعلى الرغم من انتشار الوسواس القهري وتأثيره الواضح على حياة المصابين، يظل السؤال مطروحا: لماذا يرفض البعض الاعتراف بإصابتهم؟ كثيرا ما ينبع هذا الإنكار من الخوف من وصمة العار الاجتماعية، حيث يشعر المريض بأن قبول المرض يعكس ضعفا أو خللا في شخصيته. كما أن سيطرة الأفكار والسلوكيات القهرية غير المنطقية تدفعه إلى صراع داخلي ورفض الاعتراف كآلية دفاعية لتجنب الألم النفسي، وإضافة إلى ذلك، تسهم قلة الوعي والمعرفة بالاضطراب في تأخير التشخيص، ما يجعل العلاج يبدأ متأخرا أو لا يبدأ أبدا، ويبقى التحدي الأساسي هو كسر حاجز الإنكار وتشجيع المصابين على طلب المساعدة والدعم. جهود مشتركة وفي ختام التحقيق، يجب التأكيد أن مواجهة الوسواس القهري تتطلب جهدا مشتركا من الأفراد والمجتمع والمؤسسات الصحية، لرفع الوعي؛ فالتعرف المبكر على الأعراض واللجوء للعلاج المناسب يعززان فرص التعافي ويخففان من معاناة المصابين، لذا، لابد من تعزيز ثقافة الدعم والتفهم، لتكون خطوة نحو مجتمع صحي نفسيا قادر على احتضان كل من يعاني في صمت، ويمنحه فرصة لاستعادة حياته بكرامة وأمل.
أشارت دراسة علمية حديثة إلى أن نظام الكيتو الغذائي، المعتمد على تناول كميات...
فهرس الصفحة يوم المدمنين على العمل ماذا يعني الإدمان على العمل؟ كيف تعرف أنك...
لا يمكننا أن نفصل بين النفس والجسد؛ فهما وجهان لعملة واحدة. الصحة النفسية...
يعاني ما يصل إلى 3% من سكان العالم من اضطراب الوسواس القهري (OCD)، الذي يظل أحد أكثر...
تأتي نهاية الأسبوع كفرصة ذهبية للهروب من روتين العمل والحياة اليومية، لكنها...
فهرس الصفحة يوم المدمنين على العمل علامات الإصابة بإدمان العمل أسباب إدمان...
كشفت دراسة صينية حديثة عن تطور علمي واعد قد يغيّر أساليب التعامل مع اضطراب طيف...
يُمثل متحور "ستراتوس" الجديد لكورونا، الذى يشمل سلالتي XFG وXFG.3، حاليًا حوالى 30% من...
مرض السكر من أكثر الأمراض شيوعًا ، ومع كثرة الخرافات المحيطة بهذا المرض يصعب فهمه...
مرض السكر من أكثر الأمراض شيوعًا ، ومع كثرة الخرافات المحيطة بهذا المرض يصعب فهمه...