- ALBILADPRESS.COM - A la Une - 20/Jun 23:15

الحـــرب تغيّـــر مــلامــح المنطقـــة

ندوة تحلل مستقبل الصراع الإيراني – الإسرائيلي وسيناريوهات ما بعد التصعيد في ندوة نظّمها المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS)، ناقش عدد من الخبراء والمحللين الاستراتيجيين تطورات النزاع المتصاعد بين إسرائيل وإيران، مستعرضين أبعاده العسكرية والنووية، والسيناريوهات المحتملة لمستقبل المنطقة. الندوة، التي عُقدت عبر الإنترنت تحت عنوان “النزاع بين إسرائيل وإيران: تقييمات حالية وسيناريوهات مستقبلية”، شهدت مشاركة شخصيات بارزة من المعهد، من بينهم أمين الحكيّم، وسامي سامبسون، وألكسندر بولفراس، وفابيان هينز. افتتح الحوار الباحث حسن الحسن، مشيرًا إلى أن الضربة الإسرائيلية المباغتة على إيران في 13 يونيو شكّلت لحظة فاصلة في المشهد الأمني الإقليمي، وأن هذا التصعيد يُعدّ تتويجًا لتحولات بدأت منذ أكتوبر 2023، ما يؤذن بإعادة تشكيل التوازنات في الشرق الأوسط. تكتيك محكم وتفوق جوي التحليل العسكري الذي قدمه الفريق الجوي المتقاعد سامي سامبسون كشف تفاصيل دقيقة حول الكفاءة العالية التي اتسمت بها الحملة الجوية الإسرائيلية. ووفقًا له، فقد تم التخطيط للهجوم بعناية على مدى أشهر، وتضمن استخدام طائرات F-35 وF-15 وF-16 في طلعات جوية مركزة، استهدفت مراكز القيادة والسيطرة ومنصات الإطلاق ومنشآت التسلح في عمق الأراضي الإيرانية. واعتبر سامبسون أن الحملة تميزت بكونها “هجومية وقائية”، واستندت إلى تمهيد استخباراتي وتقني، شمل تشويشًا إلكترونيًا وهجمات سيبرانية أدت إلى تعطيل منظومات الدفاع الإيرانية. وأكد أن العملية أظهرت قدرة إسرائيل على التحكم في إيقاع المعركة، وتقنين استخدام الذخائر، مع الحد الأدنى من الخسائر في صفوف المدنيين. الرد الإيراني في المقابل، أوضح الباحث فابيان هينز أن ردّ إيران، الذي اعتمد على إطلاق صواريخ باليستية وطائرات مسيرة، بدا أضعف من المتوقع، رغم ما كانت تعلنه طهران سابقًا عن امتلاكها آلاف الصواريخ. وأشار إلى أن إسرائيل نجحت في استهداف مراكز التخزين والإطلاق وقادة الحرس الثوري، مما حدّ من قدرات الرد الإيرانية. وأضاف هينز أن الضربات الإيرانية لم تحقق “الردع العقابي” الذي طالما اعتمدت عليه استراتيجية طهران، بل بدت محدودة من حيث التأثير والأضرار. ولفت إلى أن كثيرًا من الأهداف التي أصيبت في إسرائيل كانت مدنية، ما ساهم في ارتفاع عدد الإصابات مقارنة بجولات سابقة، في ظل تضاؤل فعالية منظومات الدفاع الصاروخي الإسرائيلية نتيجة الضغط المتزايد. أهداف واضحة وفي مداخلة للدكتور ألكسندر بولفراس، رئيس وحدة الاستراتيجية والتكنولوجيا وضبط التسلح، تم تسليط الضوء على الهجمات الإسرائيلية التي طالت منشآت تخصيب اليورانيوم، ولا سيما في نطنز وأصفهان. وأكد أن منشأة فوردو لا تزال محصنة، لكنها قد تمثل الهدف التالي، مشيرًا إلى أن إسرائيل تفتقر حاليًا إلى القدرة التقنية على تدميرها دون مساعدة أميركية. واعتبر بولفراس أن البرنامج النووي الإيراني، رغم الضربات، لا يزال قادرًا على التعافي خلال أشهر إذا ما قررت طهران الانسحاب من معاهدة عدم الانتشار النووي (NPT) والمضي نحو صنع سلاح نووي. المواقف الدولية من جانبه، أشار المحلل إميل هوكيام إلى أن المواقف الدولية كشفت عزلة إيران، ففي حين عبّرت دول الخليج عن إدانة صريحة للهجوم الإسرائيلي، إلا أنها في الوقت ذاته أعربت عن تضامن إنساني مع إيران، كما ظهر في تسهيلات موسم الحج. على النقيض، أبدت دول مجموعة السبع (G7) تفهمًا ضمنيًا للتحرك الإسرائيلي، ما يعكس تغيرًا في المزاج الغربي مقارنة بحرب العراق عام 2003. وأكد هوكيام أن محور المقاومة الذي تقوده طهران بات مشلولًا إلى حد كبير. فـ”حزب الله” في لبنان تلقى ضربات مركزة أنهكت قدرته على الرد، فيما التزمت ميليشيات الحشد الشعبي في العراق الصمت، وتحرك الحوثيون ضمن حدود جغرافية وقدرات محدودة لا تُحدث فرقًا استراتيجيًا، رغم إدعاءاتهم بشن ضربات منسقة. لا يغير المعادلة وردًا على سؤال حول دور بكين وموسكو، أجمع المتحدثون على أن الصين تراقب المشهد بحذر، دون رغبة في التصعيد، بينما تفتقر روسيا إلى القدرة أو الرغبة في دعم طهران بشكل مباشر، خاصة مع انشغالها بالحرب في أوكرانيا. وقال الحكيّم إن “إيران اليوم بلا حلفاء فاعلين، ومحورها كان مبالغًا في قدراته”. السيناريوهات المقبلة في ختام الندوة، أبدى المشاركون قلقًا من السيناريوهات المقبلة. وقال حسن حسن إن الحديث عن “تغيير النظام” في طهران لم يعد مستبعدًا، لكن الخوف يكمن في ما بعده، إذ من المحتمل أن يخلف النظام الحالي جناح أكثر تشددًا، أو أن تنزلق البلاد نحو الفوضى، ما يهدد بانتشار الصواريخ والطائرات المسيّرة والمواد النووية دون رقابة، وهو كابوس لدول الجوار، خصوصًا الخليجية. اتفق المحللون على أن الهجوم الإسرائيلي على إيران شكّل تحولًا جذريًا في معادلات الردع والأمن الإقليمي، وأن فشل إيران في تفعيل أدواتها التقليدية للرد قد يكشف حدود استراتيجيتها الدفاعية. وفي ظل غياب دعم فعّال من الحلفاء الدوليين، وتقلص نفوذ الحلفاء الإقليميين، تبقى طهران في مواجهة عزلة متزايدة، وسط تساؤلات مقلقة حول مآلات المرحلة المقبلة.