Maroc - ALBILADPRESS.COM - A la Une - 02/Nov 00:33

تقلبات سوق الطيور تتجاوز الذهب والبورصة

يُعد سوق الطيور في مملكة البحرين واحدا من أكثر الأسواق غرابة وتقلبا، إذ يعيش المستثمر فيه بين لحظات من الثراء السريع وأخرى من الخسارة القاسية، حتى بات المربون يصفونه بأنه “سوق لا يرحم”، يتأرجح بين هيجان الأسعار وركودها في مشهد يعكس مفارقات عجيبة. فحين يشتد الطلب ويبلغ ذروته يصبح الاستثمار فيه أفضل من تجارة الذهب والمجوهرات، وحين ينهار يتحول إلى مغامرة أشد خطراً من المقامرة في كازينوهات لاس فيغاس. أما إذا هدأ السوق فإنه يمنح المستثمرين استقرارا يفوق بورصة البحرين، بينما في أوقات الركود يصبح المربون فيه كالعاطلين عن العمل، ينتظرون مواسم النشاط لعلها تحمل لهم الربح. هيجان الزوبرا شهد السوق أولى موجاته العاتية بين عامي 2022 و 2023، حين ارتفع الطلب على طيور “الزوبرا” بشكل غير مسبوق، حتى قفز سعر الزوج الواحد إلى ما بين 2000 و3000 دينار، في تلك الفترة، كان المربي الذي يستثمر 2000 دينار في شراء زوج واحد فقط من هذه الطيور، يستطيع أن يحقق عائداً خيالياً خلال شهرين، إذ ينتج الزوج نحو 6 فراخ جاهزة للبيع، ليعود المستثمر بنسبة ربح تصل إلى 300 % من رأس ماله. هذه الأرباح الضخمة أشعلت نيران الطمع في قلوب كثيرين من خارج السوق، فانجذبوا إلى التجارة مدفوعين بآمال الثراء السريع، ووسط هذا الزخم، تصاعدت الأسعار أكثر فأكثر، قبل أن ينقلب الحال فجأة، إذ ارتفع المعروض بشكل كبير وتجاوز حجم الطلب، فانهارت الأسعار بسرعة صادمة ليصل سعر الزوج إلى 20 أو 30 ديناراً فقط، ومع هذا الانهيار، تكبدت الغالبية خسائر فادحة، ليجد كثيرون أنفسهم في وضع لا يختلف كثيراً عن مقامر خرج من الكازينو مثقلاً بالديون. طيور الحب بعد 3 سنوات فقط، تكرر المشهد نفسه لكن مع طيور “الحب”، ففي عامي 2023 و 2024، بلغ متوسط أسعار الأزواج بين 2000 و3000 دينار، بينما تجاوز بعضها حاجز الـ 5000 دينار، هذه الأرقام الضخمة جعلت السوق يعيش حالة من “الجنون الاستثماري”، حيث تدافع المربون والمستثمرون على الشراء لتحقيق أرباح خيالية. لكن، وكما حدث مع طيور “الزوبرا”، لم يدم الأمر طويلاً، إذ بدأت الأسعار بالانحدار تدريجياً حتى وصلت إلى 30 أو 40 ديناراً للزوج، ما تسبب بخسائر ثقيلة لمعظم من خاض التجربة. وكانت النتيجة خروج كثيرين من السوق مثقلين بالديون، بعدما فقدوا ما جنوه في فترة الازدهار. هدوء السوق مع حلول عام 2025، استقر سوق الطيور نسبياً، لتصبح أقرب إلى بورصة البحرين؛ لا أرباح كبيرة وسريعة، ولا خسائر مدمرة، أما في الوقت الحالي، وخاصة في فصل الصيف، فإن السوق تدخل حالة ركود شبه كامل، حيث يقل الطلب بشدة، ويصبح المربون أشبه بالعاطلين عن العمل، يترقبون بداية موسم النشاط في أكتوبر من كل عام. خبرة المربين حسين القلاف، صاحب “محل لبيع الطيور”، يؤكد أن مشهد هيجان الأسعار الذي شهده السوق في السابق لن يتكرر مجدداً. يقول: “من اكتوى بنيران الخسائر، من المستحيل أن يغامر مرة أخرى بالجري وراء موجة أسعار وهمية، ما حدث لم يكن نتيجة آليات السوق الطبيعية، بل بسبب دوافع أخرى كالموضة أو التقليد أو الغريزة، حيث كان البعض يشتري الطيور لمجرد أن صديقه يمتلكها، ما أدى إلى طلب يفوق العرض بأضعاف”. ويضيف القلاف أن السوق اليوم أكثر هدوءاً وتوازناً، وأن البيع والشراء باتا يخضعان لمعادلة العرض والطلب الطبيعية، لكنه يستدرك قائلاً إن الأسعار قد ترتفع أحياناً بشكل فردي، مدفوعة بالرغبة الخاصة للمشتري: “قد أبيع ببغاءً بسعر 150 ديناراً فوراً، لكنني لن أبيع طيراً صغيراً قيمته السوقية 40 ديناراً حتى لو دفعوا مقابله 400 دينار، لأنني ربيته بيدي وأرتبط به عاطفياً. عوامل مؤثرة  بحسب المربين، فإن أسعار الطيور ليست ثابتة، وإنما تتحكم فيها عوامل عدة؛ بعضها نفسي يتعلق برغبة المشتري أو علاقة المربي بطيره، وبعضها يرتبط بجمال الطير وشكله ولونه، إضافة إلى العوامل الاقتصادية التقليدية من عرض وطلب، فضلاً عن العوامل الموسمية، حيث تنخفض الأسعار عادة مع اشتداد حرارة الصيف. وهكذا يظل سوق الطيور في البحرين مرآة لعالم متقلب، يحمل في طياته دروسا عميقة عن الطمع والمخاطرة والاستثمار، ويعكس في الوقت ذاته ارتباط الإنسان العاطفي بالكائنات التي يربيها، لتبقى هذه السوق مزيجاً من التجارة والعاطفة، ومن الذهب أحياناً ومن الخسارة القاسية في أحيان أخرى.