Maroc - ALBILADPRESS.COM - A la Une - 27/Nov 20:20

قصر المويجعي: عودة القصيدة إلى بيتها الأول

  في خطوة تستعيد ذاكرة المكان، وتمنح الحدث بعداً يتجاوز الاحتفاء بالأدب والثقافة، اختار مركز أبوظبي للغة العربية قصر المويجعي ليكون مقراً لبرنامج «ليالي الشعر: الكلمة المغناة»، ضمن فعاليات مهرجان العين للكتاب 2025، الذي ينظمه من 24 إلى 30 نوفمبر الجاري. هذا الاختيار كان قراراً مدروساً يستند إلى قيمة المكان ورمزيته الثقافية، وإلى رغبة المهرجان في جعل الشعر جزءاً من بيئته الطبيعية التي ولدت فيها القصائد وتوارثتها الأجيال. قصر المويجعي، الذي بُني في مطلع القرن العشرين على يد الشيخ خليفة بن زايد بن خليفة في عهد الشيخ زايد الأول، أحد أبرز المعالم التاريخية في مدينة العين، يتفرد بتصميمه المربع الحصين، وأبراجِه البارزة، وبوابته المطلة على واحة المويجعي. يبدو القصر كصفحة من سردية طويلة تحكي تاريخ المجتمع المحلي. وقد تحوّل هذا الموقع منذ العام 1946 إلى مركز للحياة العامة، حين اتخذه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مقراً لديوانه وبيتاً لعائلته. وبفضل ارتباطه الوثيق بتاريخ القيادة في دولة الإمارات، وبحكم تصنيفه ضمن مواقع العين الثقافية المدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، يحمل المويجعي اليوم قيمة رمزية تمزج بين الذاكرة الوطنية وتراث المكان. هذه الرمزية تتعزّز من خلال عمليات الترميم الدقيقة التي امتدت لعقود، وأعادت إلى القصر أصالته وجعلته متحفاً دائماً يروي سيرة أهله، وموقعاً يستعرض صوراً نادرة من مراحل مهمة في مسيرة الدولة. اختيار المويجعي لاحتضان «ليالي الشعر» ينسجم مع رؤية المهرجان في ربط الأدب بفضائه الاجتماعي، وتعزيز حضور اللغة العربية في البيئات التي شكّلت جزءاً من تاريخها الشفهي والكتابي؛ فالبرنامج هذا العام يحتفي بذكرى شعراء راحلين من آل نهيان الكرام ممن عاشوا في المكان أو ارتبطت قصائدهم بواحات العين ومجالسها. وعندما تُقام الأمسيات في القصر نفسه الذي شهد باكورة لقاءاتهم، واحتضن أصواتهم الأولى، يصبح الشعر جزءاً من ذاكرة المكان لا فعلاً معزولاً عنه. وتأتي إقامة برنامج "ليالي الشعر" في قصر المويجعي وفاء لذاكرة حمَلَت الشعر في مجالسها، ولعائلة كان للأدب حضوره الأصيل في حياتها؛ فالمكان مرتبط بتاريخ ثقافي حيّ، واختياره يعكس حرص المهرجان على تقديم تجربة تتجاور فيها الكلمة مع تاريخها الطبيعي ليكون الاحتفاء بالشعر امتداداً لفضائه الحقيقي، بحيث يشعر الزائر بأن القصيدة تعود إلى بيتها الأول. وبهذا التوجه، يعيد مهرجان العين للكتاب الاعتبار للعلاقة المتينة بين الأدب والمكان، ويمنح الشعر مساحة تنبض بالحياة، وتستعيد وجهاً من وجوه الهوية الإماراتية. وفي قصر المويجعي، حيث تشكّلت بدايات القيادة، وتفتحت مواهب الشعراء، يصبح البرنامج أكثر من أمسية ثقافية؛ إنه جسر بين الماضي والحاضر، وبين الإنسان والتراث، في مكان لم تغادره الذاكرة يوماً.