Maroc - ALBILADPRESS.COM - A la Une - 04/Oct 05:45

مدن الصحراء الكبرى بين التاريخ والهوية

وسط الامتداد الهائل للصحراء الكبرى، تظهر مدن استطاعت أن تتكيف مع الظروف الطبيعية القاسية وتحوّل العزلة الجغرافية إلى هوية متجذرة. تُعد تندوف في الجزائر والعيون في المغرب مثالين بارزين لهذه المدن التي تجمع بين التاريخ العريق والتحديات المعاصرة. فرغم بعدهما عن المراكز الساحلية والحضرية الكبرى، إلا أنهما تحظيان بأهمية سياسية وثقافية واستراتيجية. زوار هذه المدن يكتشفون عالمًا مختلفًا من العادات والعمارة والمناظر الطبيعية، حيث الرمال ليست مجرد خلفية بل جزء أصيل من الحياة اليومية. وبين القبائل الصحراوية، والتاريخ الاستعماري، والاقتصاد القائم على التكيف، تتكشف قصص إنسانية فريدة تعكس روح الصمود. تندوف: بوابة الجنوب الغربي الجزائري تقع مدينة تندوف في أقصى الجنوب الغربي من الجزائر على مقربة من الحدود مع المغرب وموريتانيا والصحراء الغربية، ما جعلها نقطة التقاء للتجار والرحّالة عبر التاريخ. تأسست بشكلها الحديث في بدايات القرن العشرين، لكنها عرفت كواحة عبور للقوافل منذ القرون الماضية. تحتضن تندوف قبائل عربية وأمازيغية وصحراوية، وتحافظ على تقاليد ضاربة في القدم تعكس التنوع الثقافي للصحراء. تشتهر المنطقة بكثبانها الرملية الضخمة وواحاتها المتناثرة ومساحاتها المفتوحة، كما أنها تحوي مخيمات للاجئين الصحراويين الذين استقروا فيها منذ سبعينيات القرن الماضي. ورغم الظروف المناخية القاسية وندرة المياه، لعبت تندوف دورًا اقتصاديًا وعسكريًا مهمًا لوقوعها على مفترق طرق إستراتيجي بين بلدان شمال وغرب إفريقيا. العيون: أكبر مدن الصحراء الغربية المغربية العيون هي العاصمة الإدارية للصحراء المغربية وأكبر مدنها من حيث السكان والامتداد العمراني. تقع قرب ساحل المحيط الأطلسي، وهو ما يمنحها توازنًا مناخيًا أفضل مقارنة بالمدن الداخلية الصحراوية. تأسست المدينة في بدايات القرن العشرين، لكنها نمت بسرعة في العقود الأخيرة لتصبح مركزًا إداريًا وتجاريًا مهمًا في الجنوب المغربي. تشهد العيون اليوم تطورًا في البنية التحتية من طرق ومطارات وموانئ، إضافة إلى مشاريع سكنية وخدمات تعليمية وصحية. ورغم التحولات الحديثة، لا تزال المدينة تحافظ على الثقافة الحسانية التي تميز سكان الصحراء من حيث اللغة واللباس والعادات. الأسواق التقليدية، وخيام المناسبات، والاحتفالات الموسمية كلها تشكل جزءًا من الهوية المحلية التي ما زالت حاضرة بقوة. تحديات التنمية وفرص المستقبل رغم اختلاف الظروف السياسية والجغرافية بين تندوف والعيون، إلا أن المدينتين تواجهان تحديات مشتركة تتعلق بسبل العيش والتنمية المستدامة. المناخ الجاف، وندرة المياه، وبعد المسافة عن المراكز الحضرية الكبرى عوامل تؤثر على النمو الاقتصادي. ومع ذلك، ظهرت مبادرات تعتمد على الطاقات المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتعويض النقص في الموارد التقليدية. كما أن الموقع الجغرافي لكلتا المدينتين يفتح آفاقًا للتجارة الإقليمية واللوجستيات العابرة للحدود، خصوصًا مع تزايد الاهتمام بممرات النقل نحو غرب إفريقيا. السياحة الصحراوية بدورها تمثل فرصة واعدة، حيث يجذب جمال الكثبان والمناظر الطبيعية والضيافة البدوية الزوار الباحثين عن تجربة مختلفة. كما تعزز الفنون الشعبية مثل رقصة الكدرة والحكايات البدوية من الهوية الثقافية التي تجعل هذه المدن فريدة من نوعها. في الختام، تبقى تندوف والعيون شاهدتين على قدرة الإنسان على التأقلم مع البيئات القاسية وبناء حواضر تحمل طابعًا خاصًا. فالصحراء هنا ليست عائقًا بل مهدًا لثقافة غنية وتاريخ طويل وحياة نابضة رغم الصمت الرملي المحيط. التوازن بين الحفاظ على التراث والسعي إلى المستقبل هو التحدي الأبرز، لكنه أيضًا فرصة لإبراز نموذج حضاري مختلف يعكس تنوع العالم العربي والإفريقي. هذه المدن لا تعيش على الهامش، بل تشكل جزءًا أصيلًا من الجغرافيا والوجدان الإنساني في الصحراء الكبرى. تم نشر هذا المقال على موقع سائح