- ALITTIHAD.AE - الرئيسية - 21/Jul 21:07

د. نزار قبيلات يكتب: رواية تعدد الأصوات

لماذا يبدو شكل الرواية المتعددة الأصوات شكلاً سردياً عسيراً إلى حدٍّ ما؟ الجواب هو أن الرواية البوليفونية هذه رواية غير تقليدية في بنائها ومحتواها، فهي تعتمد على أصوات ساردة مختلفة ومتنوعة، يصدر عنها رؤى حكائية عديدة، فكل صوت في الرواية يجب أن يتولّى مهمّة السرد من منظوره الروائي الخاص ومن زاوية نظره الخاصة أيضاً، ما يجعل شأن التحكم بمصائر الشخصيات وشكل النهاية معقداً وصعباً في آن، فقبل السّرد البوليفوني هذا كانت الرواية التقليدية تركن للراوي العليم أو الراوي المشارك الذي يُوصف عند بعض النقاد بأنه الظّل الفني للروائي، حيث تسير عين القارئ وتتنقل في عالم الرواية بتوجيه ورقابة ذلك الراوي العليم أو المشارك، بيد أن هذه السطوة تم التخلي عنها حين صاغ الناقد الروسي الشهير «ميخائيل باختين» مصطلح الرواية البوليفونية فجعل الكتابة السردية كتابة تعتمد على التزامن، وليس على التناوب في السرد الحكائي، فكل شخصية تحمل همّها وطموحها وتصورها الخاص، بمعنى أن المؤلف لن يكون متحكماً ومتمكناً بكل ما يصدر عن روايته لأنه مطالب ولكي ينجح التواصل السردي في روايته، بأن يترك تلك المساحة الحرة للشخصيات لتقول فيها ما يخّصها بعيداً عن دورها البنيوي في السرد وعن نموذجها الإنساني الذي تمثله، وبعيداً أيضاً عن الفئة المهنية والطبقية التي تنتمي إليها، كل هذا يتطلب وبصراحة روائياً مثقفاً واسع الاطلاع والتجربة، روائي قادر على تمثل التجارب الإنسانية الأخرى وقلب تصورات القراء النمطية عنها، فاليوم تشيع الرواية الذاتية التي تصدر عن الذات الفردية، إذ الرواية بصوت الراوي أو السارد الوحيد رواية غير مريحة كثيراً للقراء، لأنها تصدر عن رؤية أحادية غير متعددة، في حين تتمتع الرواية البوليفونية المتعددة الأصوات بطبقات من الحكي والقصص المختلفة، ففي رواية ميرامار لنجيب محفوظ تمكنّا من الاطلاع على وجهات نظر عديدة لحبكة روائية واحدة، فسمعنا صوت المثقف والخادمة والتاجر وغيرهم.. ما جعل الحكاية ذاتها قابلة للسرد دائماً ومن دون توقف.