- ALITTIHAD.AE - الرئيسية - 20/Jul 20:17

بعض المهن قاتلة

هي حكاية إنسانية تذهب بنا عميقاً، وتطوف بنا بعيداً، لكنها في النهاية مرصد لكيف يمكن أن تقتلنا بعض المهن أو تهزمنا من الداخل، لنعيش عذابات اللحظة، تلك حكاية صورة من الصور العالمية التي يمكنها أن تسرد الكثير، وترصد التفاصيل، هي في الحقيقة صورة نسر يترصد طفلاً تبرز عظامه من شدة الجوع، ويبدو أنه في طريقه للاحتضار نتيجة المجاعة التي تسود في أفريقيا بين الحين والآخر، لكن الصورة التي انتشرت عالمياً أعطت صاحبها شهرة في مجال التصوير الصحفي، ونال عليها الجوائز المالية والأدبية، وأبكت العالم لأنها كانت موجهة للنفوس الإنسانية الطيبة والخيّرة، لذا أرجفت قلوبهم وهزّت نفوسهم، وأظهرت الصورة أيضاً، في عمقها وما يمكن أن يقرأ بين سطور أسرار المهنة الخفية، أن هناك قصة نسرَين، وليس نسراً واحداً جائعاً يريد أن ينقض على ما تبقى من جسد الطفلة الأفريقية المحتضرة، النسر الثاني كان ذلك المصور الصحفي الذي كان ربما شغوفاً بحكم المهنة والشهرة والمال وما تحدث به النفس البشرية أحياناً صاحبها في لحظة ضعف، هكذا قرأ بعض المتبصرين تلك الصورة، وهكذا فسرها الواعون والمدركون من ذوي الحساسية الإنسانية العالية، وهكذا قرأها ذاك المصور لاحقاً، وظلت تتراءى له تلك الصورة بتفاصيلها وانثيالاتها من قبل وبعد وأثناء التقاط الصورة، ظل يعيش ذاك العذاب، ووخز الضمير؛ لأنه فضل إنقاذ نفسه بدلاً من إنقاذ تلك الطفلة المنهكة جوعاً، ذهب بعيداً منتصراً لنفسه ومهنته وشهرته، بدلاً من الانتصار لتلك الجثة الموشكة على الموت بإنقاذها.