- ALITTIHAD.AE - الرئيسية - 19/Jul 21:08

«الفاية».. سردية الوجود البشري

محمد عبدالسميعبتسجيل موقع «الفاية» بالشارقة على قائمة التراث العالميّ لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة- اليونسكو 2025، نحن مع شاهدٍ جديد من شواهد البحث العلميّ والتنقيبات الأثرية التي تعزز من دور المكان الإماراتي في احتضانه لعلامات ودلائل ستغيّر من مسارات المعرفة، وتضيف إليها ما يؤكد أنّ هذه الأرض ولّادةٌ بالإبداع والحضور الإنسانيّ، خصوصاً بعد الدراسة البحثية القيّمة التي نشرتها مؤخراً «مجلة العلوم الأثرية والأنثروبولوجية» التابعة لمجلة النشر الرائدة «سبرينغر نيتشر»، في تقديمها رؤيةً غير مسبوقة للهجرات البشرية المبكرة عبر شبه الجزيرة العربية، واكتشاف أدلةٍ جديدة تعود إلى 80 ألف عام تؤكّد امتداد الوجود البشري في موقع «جبل الفاية» بالشارقة إلى أكثر من 210 آلاف عام.هذا الإدراج، وهذه النتائج التي تؤكد عمق الاستيطان البشريّ في «الفاية» تعطينا الثقة بتنقيبات جديدة تضاف إلى هذا الجهد المتواصل في أعمال البعثات المتخصصة في الشارقة، والتي تتم بدعم مباشر من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة.ومن وجهة نظر ثقافيّة وإبداعيّة، يسمح هذا الإدراج، للباحث والشاعر والمسرحي والفيلم السينمائي وكاتب الرواية أن يبني على هذه المعلومات والمكتشفات، فيعيد إنتاجها قصةً أدبيةً أو عملاً فنياً درامياً يعزّز القصة المتحفيّة التي تشتمل عليها متاحف الفن الإسلامي في الإمارات في كلّ الحقب والعصور التاريخية. ولعلّ هذا ما يؤكد السردية التاريخية للوجود البشري في هذا المكان، كما أنّ الأمر المهم في هذه المفاجآت البحثية أنها تدعم وبقوة الملفات القادمة محلّ الاشتغال، لإدراجها تباعاً ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، إذ أسهمت هذه البحوث والتنقيبات في الترشيح القويّ للمشهد الثقافي لعصور ما قبل التاريخ في الفاية، ومن ثمّ الإدراج الجماعي لهذا الملفّ على قائمة التراث العالمي لليونسكو، ليضيء ذلك على المكان الذي دخل هذه القائمة بامتياز، مستنداً إلى أهميته في قراءة انتشار الإنسان العاقل وتنقلاته في أنحاء العالم، بل ومدى انسجامه مع المكان وملائمته له وتكيّفه معه.اللافت في هذه الاحتفائية الإماراتية بموقع «الفاية» أنّ هذه المنطقة لم تكن ممراً فقط، بل مقراً للاستقرار والتقدّم البشري كموقع مستدام. وفي ظلال ذلك، نحن مدعوّون إلى قراءة أكثر من اتجاه يستفيد من نتائج الدراسة البحثية وآراء العلماء الأجانب بعد سنوات من جهودهم المتواصلة، منها قراءة التغيرات المناخية الكبرى لمنطقة شبه الجزيرة العربية، وتأثير الرياح الموسمية القادمة من المحيط الهندي في فترات رطبة متقطعة، وكذلك درجات الحرارة وهطول الأمطار، وغير ذلك من المؤشرات، وكيف تحوّلت الصحراء القاحلة إلى مزيجٍ من البحيرات والمراعي الخصبة، وهذا بحدّ ذاته أمرٌ مثيرٌ، ويشكل حافزاً للباحثين للخروج على الافتراضات السابقة وتصحيحها في أنّ منطقتنا هي ليست فقط حاضنة لهجرات مرّت دون أن تستقر. انتصار تاريخيمن جهةٍ أخرى، وعلاوةً على تعزيز دور الإمارات المحوري على خريطة العالم التراثي والإنساني، فإنّ الاحتفالية الإماراتية التي جرت في باريس بهذا الخصوص، برعاية الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي سفيرة ملف الترشيح الدولي «المشهد الثقافي لعصور ما قبل التاريخ في الفاية»، وحضور علماء ومهتمين، تؤكّد مدى الاهتمام العالمي بالمكان الإماراتي، وقوة حضور المؤسسة الإماراتية في أعمال البحث والتنقيب والتنسيق، ممثلةً بهيئة الشارقة للآثار وجهودها القيمة في هذا الموضوع.وكما وصفت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي هذا الإنجاز بالمهم، بأنّه انتصارٌ تاريخيٌّ للشارقة والإمارات وللمنطقة بأسرها، فإنّ التميّز أيضاً هو في كون موقع «الفاية» هو الترشيح العربي الوحيد الذي نظرت فيه لجنة التراث العالمي في دورتها السابعة والأربعين وأدرجته، باعتباره ثاني موقع في دولة الإمارات ينال هذا الاعتراف العالمي، بعد المواقع الثقافية في مدينة العين التي أدرجت عام 2011.