علي عبد الرحمنلم يُنظر إلى الحب في تاريخ الفكر بوصفه انفعالاً وجدانياً محدود...
Vous n'êtes pas connecté
علي عبد الرحمنلم يُنظر إلى الحب في تاريخ الفكر بوصفه انفعالاً وجدانياً محدود الأثر، بل اعتُبر ظاهرة تأسيسية تلامس حدود المعرفة والوجود معاً، فهو ليس مجرّد شعورٍ ذاتي، بل منظور كلي يعيد تنظيم علاقة الإنسان بذاته وبالآخر وبالعالم، ولعلّ ما يميّز الحب في الفلسفة، أنّه يتجاوز التفسير النفسي أو الاجتماعي ليغدو سؤالاً عن الحقيقة: هل هو طريقٌ للكشف أم عائقٌ أمام الرؤية؟ هل يمنح الإنسان سبيلاً للسمو أم يُغرقه في وهمٍ يتخفّى في هيئة شغف؟يظهر سقراط في الحوارات بوصفه مربّي الرغبة قبل أن يكون محلّلها، إذ لم يجعل العقل سيّداً يقصي العاطفة، بل اعتبر أن العاطفة لا تبلغ كمالها إلا إذا وُجِّهت نحو الحقيقة، فالحب في المشروع السقراطي ليس ملكية للآخر ولا لذّة عابرة، بل حركة أنطولوجية للروح نحو ما يتجاوز الفناء، نحو المثال الذي يمنح الوجود معناه.على هذا الأساس، لا يكون تهذيب الرغبة مجرد ممارسة أخلاقية، بل إعادة توجيه لجوهر الوجود الإنساني من التشتت في الجزئي إلى التعلق بما هو مطلق، فالإنسان الذي يحب الحق والفضيلة لا يعيش على قلق التعلّق بموضوع خارجي زائل، بل يؤسس ثباتاً داخلياً يتغذى من قيم تتعالى على الامتلاك والزوال. يقدّم أفلاطون في المأدبة العاطفية بناءً فلسفياً للحب لا باعتباره انفعالاً عابراً، بل كمسار وجودي يتدرّج من المحسوس إلى المعقول، ومن الجزئي إلى المطلق، وفي هذا المسار يُعاد توجيه طاقة الرغبة، بحيث تتحوّل من تعلقٍ بالصورة الفردية إلى انجذابٍ نحو مثال الجمال ذاته، وإدراك جمال النفوس، ثم جمال الأفكار والعلوم، إلى أن يبلغ الفرد مقاماً يرى فيه الجمال كقيمة مطلقة، متعالية على كل تمثّل أو مظهر. مرآة الهشاشة يمنح شكسبير للحب خشبة مسرحه الأوسع، حيث تتقاطع العاطفة مع المصير، ويُختبر الكائن الإنساني في لحظات ضعفه القصوى، في «روميو وجولييت» يتجسّد الحب كبراءة تصطدم ببنية الصراع الاجتماعي، فيتحوّل الوعد الفردي إلى مأساة قدرية، وفي «عطيل» يغدو الحب مسرحاً للغيرة، حيث تتواطأ المخيّلة مع الوهم لتلتهم موضوعها، أما في الكوميديات، فينكشف الوجه الآخر، قابلية العاطفة للالتباس تحت أقنعة اللغة والخداع المسرحي.لكن البُعد الفلسفي عند شكسبير لا يكمُن في تعريف الحب، بل في الكشف عن حقيقة الإنسان حين يحبّ. فالعاطفة الشكسبيرية تُعرّي البنية الداخلية للذات ونزعتها إلى التملّك، هشاشتها أمام الشائعة، افتتانها بصورة صنعتها لنفسها ثم انخدعت بها، ويصبح الحب مختبراً أنطولوجياً يبيّن أن الضعف ليس في العاطفة ذاتها، بل في الكائن الذي لم يبلغ سيادته على نفسه. أرشيف للذاتلم يكن سانت بوف فيلسوفاً للنظر المجرد، بل ناقداً يسعى إلى النفاذ إلى باطن الإنسان عبر سيرة حياته ومن هذا المنظور، يصبح الحب عنده أرشيفاً للذات، فالطريقة التي يختار بها المرء، ويُخلص، وينفصل، ليست تفاصيل شخصية عابرة، بل علامات تكشف بنية قيمه وحدود ذائقته، كما أنّها إشارات أنطولوجية إلى كيفية تموضع الفرد في العالم، وما إذا كان حبه ينزع إلى الوفاء أو إلى التقلّب، إلى الثبات أو إلى الاضطراب.كما أنّ سانت بوف لا يتوقف عند حدود الفرد، بل يرى أن الحب مرآة لثقافته أيضاً فهو يكشف الذوق العام، والعادات السائدة، وأنماط الحياء، واللغة المتاحة للتصريح والكتمان. وجهان للحبيميّز روسو تمييزاً حاسماً بين حبّ الذات (Amour de soi) الذي يقوم على غريزة البقاء، ويُضبط بالاعتدال والانسجام مع الطبيعة، وبين حبّ التفاخر الذي يولّده المجتمع حين يجعل قيمة الفرد مرهونة بنظرة الآخرين وأحكامهم. في الحالة الأولى، الحب امتداد للفطرة، قوة تحفظ الحياة وتفتح المجال للتعاطف والرحمة، أما في الثانية، فيغدو الحب مسرحاً للأنا المستلبة، حيث لا يُطلَب اللقاء لذاته بل الاعتراف، ولا يُسعى إلى الآخر كذات، بل كمرآة تعكس صورةً للذات أمام أعين المجتمع.ومن منظور نفسي معرفي، يقدّم روسو الحب كحكاية لتنظيم الذات، إمّا أن يبقى حبّ الذات متوازناً، يصالح الرغبة مع الضمير ويؤسس علاقة صادقة مع الآخر، وإمّا أن يذوب في حبّ التفاخر فيتحول إلى قلق دائم مصدره الحاجة المستمرة إلى الاعتراف، وعندها يغدو الحب، لا قوة طبيعية تفتح الإنسان على الآخر، بل جرحاً أنطولوجياً يكشف هشاشته أمام أعين الآخرين.اختبار الحريةيميّز كانط تمييزاً صارماً بين المحبّة العاطفية، التي يغمرها الانفعال وتتبدّل بتبدّل المزاج، وبين المحبّة العملية، التي تُبنى على مبدأ عقلي يجعل من الإنسان غاية في ذاته لا وسيلة لغيره، فالحب في صورته العليا ليس وهجاً وجدانياً يسطع ثم يخبو، بل التزاماً أخلاقياً يقوم على احترام حرية الآخر وصون كرامته، وبهذا يتحوّل الحب من عاطفة متقلبة إلى علاقة مؤسسة على مبدأ كليّ يمكن أن يصمد أمام تقلبات الهوى والظرف.ولم يكن نيتشه مستعداً لأن يقبل الحب بوصفه ملاذاً للضعف أو حيلةً للامتلاك، بل أراده أن يكون تعبيراً صريحاً عن إرادة القوة، قدرة على العطاء، على مضاعفة الوجود بدلاً من استنزافه، فالحب النبيل عنده لا يفتّت استقلال العاشق، بل يمنحه وفرة داخلية تتيح له أن يتحمّل ويبتكر ويتجاوز، وإنّه لحظة يختبر فيها الإنسان مدى طاقته على أن يحب من دون أن يفقد نفسه، وعلى أن يوسّع حياته لا أن يذيبها في الآخر.في هذا الأفق، يرفض نيتشه أن يُختزل الحب في فداء سلبي أو استسلام لمطلقات تُخفي خواء الإرادة، فالحب عنده ليس اعتذاراً عن الحياة بل تثمينٌ لها، ولا هو تسوية مع العالم بل قولٌ صريح نعم له كما هو، ثم فعلٌ يضيف إليه جمالاً جديداً. قابل للتثقيفحين يتناول الرازي العشق لا يراه لغزاً غامضاً، بل يضعه في موقع الظاهرة النفسانية الجسدية القابلة للتشخيص والعلاج، وفي تراثه الطبي يظهر الحب كاضطراب قد ينهك البدن والنفس إذا تجاوز حد الاعتدال، لكنه في الآن ذاته ليس قدراً محتوماً، بل حالة يمكن للعقل والتربية أن يضبطا مسارها؛ لذلك يقترح الرازي وسائل علاجية تبدو قريبة مما نسمّيه اليوم بالعلاج المعرفي السلوكي وتغيير البيئة التي تؤجّج الخيال، صرف الفكر عن التعلّق المرهق، تهذيب الصور الذهنية المثالية، واستبدال العادات التي تغذّي التعلّق بعادات أكثر اعتدالاً.غير أن الرازي لا يكتفي بالوصف الطبي، بل يضفي على العشق بُعداً فلسفياً، إذ يعيده إلى ميزان الاعتدال الذي يحكم الأخلاط والأمزجة، فالعاطفة عنده جزء من بنية الطبيعة الإنسانية، تُهذَّب ولا تُلغى، وتُنظَّم ولا تُطلَق بلا قيود، ومن هنا تتضح رؤيته الأخلاقية الحب قابل للتثقيف، وإذا استضاء بالعقل واتزن بالاعتدال، غدا معيناً على الصحة والسكينة، لا سبباً للانهيار والتعاسة. الجاحظلم يتعامل الجاحظ مع الحب بوصفه لغزاً وجدانياً مغلقاً، بل نظر إليه بعينٍ لاذعة تجمع بين الفكاهة ودقة الملاحظة الأنثروبولوجية، ففي كتبه يتكشّف الحب كنتاجٍ مزدوج للطبع الفطري وللعُرف الثقافي، فهو في جانب منه نزوع غريزي تحكمه الأمزجة والاستعدادات، وفي جانب آخر صناعة اجتماعية تصوغها أذواق الجماعة ومقاييس جمالها وأنماط سلوكها، ويُظهر كيف تولّد البيئة قواميس للتودّد والغيرة، وكيف تُبدع اللغة، فيصبح العشق مختبراً حياً للغة كما هو للنفس.
علي عبد الرحمنلم يُنظر إلى الحب في تاريخ الفكر بوصفه انفعالاً وجدانياً محدود...
قد يظن البعض أن النرجسية هي مجرد حب للذات أو الإعجاب بالنفس أو الغرور، ولكن ما...
قد يظن البعض أن النرجسية هي مجرد حب للذات أو الإعجاب بالنفس أو الغرور، ولكن ما...
تجربة الغربة والدراسة في الخارج ليست مجرد انتقال جغرافي، بل هي رحلة استكشاف للنفس...
تجربة الغربة والدراسة في الخارج ليست مجرد انتقال جغرافي، بل هي رحلة استكشاف للنفس...
قال الإعلامي الكويتي عمار تقي ردا على أسئلة لـ “البلاد”، إنه لا توجد لديه أي...
قال الإعلامي الكويتي عمار تقي ردا على أسئلة لـ “البلاد”، إنه لا توجد لديه أي...
تغييب العقل في وقتنا الحالي بقلم منى بنحدو في قتنا الحالي لم نعد نعيش كما كنا سابقا...
تصريح لا مسؤول من مديرة أكاديمية طنجة تطوان الحسيمة لا نريد إحداث تفاوت بين ابناء...
تصريح لا مسؤول من مديرة أكاديمية طنجة تطوان الحسيمة لا نريد إحداث تفاوت بين ابناء...