- FATAH.PS - Ala Une - 09/Aug 20:55

فوضى المعايير في قوائم المؤرخين والمفكرين

الكاتب: مهند عبد الحميد يوم 22 تموز الماضي كرّم اتحاد المؤرخين العرب 35 مؤرخاً ومفكراً فلسطينياً برعاية أمين عام اتحاد المؤرخين العرب د. محمد جاسم المشهداني، وبحضور وزير الثقافة الفلسطيني عماد حمدان وممثل فلسطين في الاتحاد حسام أبو النصر. أثار هذا الحدث تساؤلات عديدة بدأ بطرحها الصديق حسن خضر الذي تحدث عن ثلاث نواقص أولاً: غياب لجنة اختصاص، وثانياً: الافتقاد الى مسوغات تخص المعنيين، وثالثاً فوضى المعايير. هذه الملاحظات التي تمس المضمون وتحول موضوعاً على قدر كبير من الأهمية الى طقس احتفالي تضامني، تستحق مواصلة النقاش والتساؤل. من المتعارف عليه أن الثقافة تلعب دور الرافعة في تحرر وتطور المجتمع، وذلك بحسب منظومة القيم التي تستند اليها، وهي تترك بصماتها على السلوك الإنساني الفردي والجمعي، وتساهم في تشكيله وفي رفع ذائقته الجمالية، الثقافة تحفظ الذاكرة الجماعية وتقاوم الظلم والتهميش، وتطرح أسئلة التغيير وتلعب أدوارًا مهمة في التحولات الكبيرة عند الشعوب. والثقافة تؤثر في القرار السياسي إيجاباً إذا مارس المثقفون دوراً نقدياً مدافعاً عن المصلحة العامة، وسلباً اذا دافعوا عن مصالح الطبقة السياسية. في الازمات والمنعطفات والتحولات الخطيرة  التي مر بها الشعب الفلسطيني كانت جبهة الثقافة اكثر صموداً وساهمت في تبديد الظلام وإضاءة الطريق الى الحرية. استنهضت الشعب بعد النكبة وأعادت بناء هويته الوطنية. واذا كان من أمل في الخروج من محنة حرب الإبادة والتصفية الراهنة فإن الأمل معقود على مبادرات نخب ثقافية وبخاصة من الرعيل الجديد، مبادرات تدافع عن المجتمع في مواجهة التهديد الخارجي والحماقات الداخلية.   بناء على الدور المأمول للثقافة لا يمكن قبول إخراج الثقافة عن التخصص ومنظومته وتقديمها بشكل ملتبس، كما حدث في مشهد التكريم التضامني مع عينة يستوي فيها أصحاب الكفاءة والتخصص في الحقل الثقافي، مع مناضلين لا ينتمون لفئة المؤرخين والمفكرين. إذا ما عدنا الى الوصف الوظيفي المهني لكل من المؤرخ والمفكر الذي من المفترض ان يكون مرجعية للحكم على القائمة. المؤرخ هو باحث في التاريخ يضطلع بمهمة التدقيق في المخطوطات والارشيف والدراسات الاكاديمية، وتقديم قراءات نقدية لها من خلال أبحاث ودراسات ومقالات. ويتطلب من المؤرخ ان يكون لديه تحصيل علمي -ماجستير ودكتوراه- وإلمام بمناهج البحث، ومهارات في الكتابة الأكاديمية والتحليل وأساليب التوثيق العلمي، وإتقان لغة وأكثر. وأن يكون عمله متصلاً ببيئة وظيفية كالجامعات ومراكز أبحاث ودراسات ومتاحف ودور نشر، ويشارك في المؤتمرات والندوات. ينطبق الوصف الوظيفي على مؤرخين فلسطينيين في المجال النظري والتحصيل العلمي والتطبيقي – من خلال أبحاث مهمة تركت بصماتها وما زالت تشكل مرجعية، ومن الأمثلة على ذلك المؤرخ وليد الخالدي، الذي قدم توثيقًا علميًا حول التهجير الفلسطيني في أعوام النكبة، وقد أصبح  مصدراً موثوقاً للبحث في التهجير على صعيد عالمي وله عشرات الأبحاث. المؤرخ عارف العارف، ومن مؤلفاته الفردوس المفقود عن نكبة فلسطين في 5 مجلدات، وثلاثة أبحاث عن القدس، وتاريخ غزة، وتاريخ عسقلان وغيرها. المؤرخ إلياس صنبر الذي ركز على التاريخ الثقافي والإنساني والذاكرة الفلسطينية، وأشرف على ترجمة الادب الفلسطيني، وتقديم الثقافة الفلسطينية للغرب. المؤرخ سليم تماري المتخصص في التاريخ الاجتماعي والسيَر الذاتية، وأهم أعماله الجبل ضد البحر، عام الجراد، سيرة ذاتية لجندي فلسطيني في الحرب العالمية الأولى، ودراسات في التاريخ الاجتماعي لبلاد الشام. بيان نويهض الحوت ومن أهم اعمالها القيادات والمؤسسات السياسية في فلسطين 1917-1948، فلسطين القضية الشعب الحضارة من عهد الكنعانيين حتى القرن العشرين، مجزرة صبرا وشاتيلا. المؤرخ ماهر الشريف المتخصص في التاريخ الفكري العربي الحديث وتاريخ الحركات السياسية العربية، ومن أهم أعماله تاريخ فلسطين الاقتصادي الاجتماعي، تطور مفهوم الجهاد في الفكر الإسلامي، الشيوعية والمسألة القومية العربية في فلسطين 1919 1948، المثقف الفلسطيني ورهانات الحداثة. المؤرخ نظمي الجعبة ومن أهم أعماله، حارة اليهود وحارة المغاربة في القدس القديمة، القدس في الكتابات التاريخية الإسرائيلية، دراسة في العمارة والفنون والتاريخ والتراث كنيسة المهد في بيت لحم، رام الله عمارة وتاريخ مشترك، فهرس مخطوطات المكتبة الخالدية. أربعة من هؤلاء المؤرخين ضمن قائمة التكريم. السؤال لماذا جرى خلط من تنطبق عليهم المعايير وهم كثر وأخص بالذكر المؤرخ الكبير شريف كناعنة بآخرين لا تنطبق عليهم تلك المعايير، سواء في مجال التحصيل العلمي الأكاديمي أو في مجال المنتج البحثي والتأثير والتفاعل والحضور، دون إغفال أهميتهم وأهمية أدوارهم ووظائفهم التي لا ينطبق عليها صفة مؤرخ وجرى إقحامهم فيها. كان التناقض في التعامل مع المفكر أكثر حدةً إذا ما توقفنا عند الوصف الوظيفي لمصطلح مفكر، والذي يستدعي تفكيراً نقدياً عميقاً حول قضايا وجودية واجتماعية وثقافية وفلسفية بمعنى البحث في قضايا الفكر والنظرية. تطوير مفاهيم جديدة أو إعادة تفسير مفاهيم قديمة، تأليف كتب فكرية، ومشاركة في الندوات واللقاءات الحوارية والمنتديات الفكرية، وتقديم آراء  مستقلة، ورصد التحولات الفكرية والاجتماعية. باختصار، المفكر يُنتج المفاهيم والأدوات الفكرية لفهم الواقع. ومن نماذج المفكرين ادوارد سعيد، محمد عابد الجابري، جورج طرابيشي، رجاء بن سلامة. مقارنة بالوصف الوظيفي وبالنتاجات الفكرية سنجد تسرعاً في إقحام عدد كبير من شخصيات سياسية لديها خبرة وتجارب وسيَر ذاتية على قدر من الأهمية ولكن تحت مسمّيات أخرى مهمة. يوجد في القائمة متخصصون في النقد او الادب، وقد كُرموا في تلك المجالات، لماذا يجري الخلط بوضعهم في خانة مفكرين؟ إن هذا يطرح سؤالاً حول الآلية والمعايير التي اعتمدها اتحاد المؤرخين العرب في إطلاق لقب مؤرخ أو مفكر. مرة أُخرى أعود إلى ملاحظات الصديق حسن خضر، لماذا لا توجد لجنة من ذوي الاختصاص تقدم المسوغات والإنتاج البحثي والفكري الخاص بكل حالة، فضلاً عن المستوى المنسجم مع المعايير؟    ثمة حاجة لتضامن اتحادات الكتاب والمؤرخين والفنانين والمهنيين العرب للتضامن مع فلسطين التي تعيش كارثة هي الأشد في التاريخ المعاصر، ولكن لا يمكن لمثل هذا التضامن أن يقفز عن المعايير المهنية والقيمية للثقافة. لا يمكن التعامل مع الفكر والتأريخ عاطفياً. بقي القول من أجل تصويب ما جرى او تقديم رد مقنع موثّق بحاجة الى تدخل وزارة الثقافة بتشكيل لجنة من ذوي الاختصاص للتدقيق في ما جرى ومُساءلة المسؤولين وإعادة الأمور الى طبيعتها على أقل تقدير.