- ALITTIHAD.AE - الرئيسية - 09/Sep 20:17

«هويّ هوس.. يا كريم»!

ثمة وجوه لا تغيب، وإن حاولت بالنسيان مرة، بطمس صورتها من الذاكرة مرات، بتغييبها في الأشياء الكثيرة الدائرة حولك، لكنها تظل ماثلة كوشم شيطاني، وجوه تراها بين حاجبيك كعلامة غضب، وتقول: يمكن للإنسان أن ينسى صورة المعلم الأول، والتي تغيب باهتة في طرق الحياة، يمكنه أن ينسى زملاء المقعد، فلا يتذكر ملامحهم التي تغيرت بسرعة، يمكن لصورة بائع البقالة في الحي أن تتماهى في الشيء الأسمنتي الجديد، يمكن حتى صورة الفتاة التي كانت تتقافز لحضورها حمامة القلب، والتي إن نظر إليها خلسة سرق من وجهها حُسناً، أن تغيب في ثنايا الذاكرة، فلا تعود إلا مع همهمات المطر إن باغت نوافذنا فجأة أو حين تتعب القدم، ويريد أن يستريح تحت ظل تلك النخلة التي دُفن تحتها شعر رأسه المجزوز في أسبوع طلوعه، وجوه كانت على المائدة الصغيرة تُنسى، وجوه كانت في السفر تُنسى، وجوه كنت تحبها، وتنساها، فلا تتراءى لك اليوم إلا كوجوه المحاسبين وقت ضجرهم المالي، وجه مدرس الرياضيات يغيب وتنساه، فلا يذكرك به إلا عَرَق الأحلام، وجه المدير في المدرسة الإعدادية، من يتذكره؟ كثيرة هي الوجوه التي ينسيك إياها الزمن أو تتطاير ملامحها في رحلة الزمان والمكان، ما عدا وجه السجّان الذي يمكن أن تمنحه تسامحك لكنك لا تنساه، ووجه «المختن» الذي تشعر أنه طعنك صغيراً، وحده من بين كل الوجوه يطلّ وجه المختن مستعصياً على النسيان، ويظل يحوم كشبح أزلي، تتذكره، وتتذكر خوف ذلك النهار الذي لبست فيه ثوب العيد المُخزّن للمناسبات، وتحنيت في قاع الرِجل اليمين والشمال، وغمست الكفين بحناء جلبه الحجاج كـ«شفايا» من مكة والمدينة، معتقداً ذاك النهار أنه مثل ذهاب في فرح أو مثل نهار العيد، فإذا صف من الصبية أترابك سبقوك، فتعتقد أنهم غنموا شيئاً، وخسرت أنت أشياء، حتى كانت المواجهة غير المتكافئة بينك وبين ذاك الرجل ذي العقال الأبيض المجلود الجالس القرفصاء، وغير مبال بذاك الدمع الخارّ من عيني طفل لم يفهم يومها شيئاً.