علي عبد الرحمنكان فنسنت فان غوخ يمشي في العالم كمن يسير في حلم لم يكتمل، كأنه يتلمس...
Vous n'êtes pas connecté
علي عبد الرحمنكان فنسنت فان غوخ يمشي في العالم كمن يسير في حلم لم يكتمل، كأنه يتلمس كينونته بين ألوان الحياة وأطياف الألم، لا ليعرف الأشياء كما هي، بل ليكتشف كيف يمكن أن تُروى بالألوان، كيف تتحول اللحظة العابرة إلى صرخة تخلّدها ضربة فرشاة، ولم يكن مجرد رسام يبحث عن المشهد المثالي، بل كان مسافراً في جغرافيا الروح، شاعراً يلتقط الضوء كما يلتقط الشاعر الإيقاع، يحوّل الضوء إلى لغة صادقة تنطق بأسرار النفس، وتكشف أكثر مما تخفي.ولد فان غوخ في قلب الريف الهولندي عام 1853، حيث كانت الطبيعة معلمه الأول ورفيقه الأسبق، تُلقّنه لغة الألوان قبل أن يعرف الحروف، غير أن قلبه كان يطمح إلى ما يتجاوز المشهد الماثل أمام العين، كان يبحث عن النبض الخفي وراء الأشياء، عن تلك الطبقات التي لا يراها إلا من يسكنهم الحلم، ومضت حياته كرحلة شاقة في متاهة الذات، يتنقل بين إخفاقات في مقاعد الدراسة، وتجارب متعثرة في التجارة والعمل الكنسي، وكأن الأقدار كانت تمهّد له لحظة الانعطاف الكبرى. وحين أمسك بالفرشاة أخيراً، لم تكن أداة للرسم فحسب، بل نافذةً واسعة على عالم داخلي مكتظ بالأسئلة، مسكون بالتناقضات، عالم لا تهدأ فيه العواصف ولا يخفت فيه بريق البحث عن المعنى.مسارات متفرقة لم يكن الطريق إلى الفن ممهداً أمام فنسنت، بل بدا في بداياته كأنه يفتش عن ذاته في مسارات متفرقة لا تلتقي، أخفق في التعليم الرسمي، وكأن مقاعد الدراسة ضاقت بروحه القلقة، وجرّب حظه في تجارة اللوحات مع شركة Goupil متنقلاً بين لاهاي وباريس ولندن، غير أن مزاجه الحاد، وحساسيته المفرطة تجاه البشر، جعلت العمل يتآكل من داخله حتى انتهى بالفشل، ثم انحنى نحو الروح، محاولاً أن يكون واعظاً بين عمال المناجم في بلجيكا، فشاركهم الفقر حتى بلغ قاعه، وعاش بين الأكواخ المظلمة والوجوه المرهقة التي تلتقط رزقها من باطن الأرض. الصدق الخامفي أواخر عشرينياته، حدث الانعطاف الذي سيعيد تشكيل مسار حياته بأكمله، فقد أمسك فان غوخ بالفرشاة لأول مرة بجدية، وكأنها كانت هناك منذ البداية تنتظر اللحظة التي تمتد فيها يده إليها، ولم يكن رساماً أكاديمياً بالمعنى التقليدي، إذ لم يمكث في قاعات الدرس إلا قليلاً، مفضّلاً أن يكون تلميذاً للعزلة والملاحظة، ينهل من الكتب ومن أعين الناس والطبيعة على السواء، وكان يدرس أعمال رمبرانت بقدسيّة الباحث عن النور في العتمة، ويتأمل لوحات جان فرانسوا ميليه، كما يتأمل المؤمن أيقوناته، متعلّماً كيف تُرسم الكرامة على وجوه البسطاء. وحين وصل فان غوخ إلى باريس عام 1886، كانت المدينة في أوج تحوّلها إلى مختبر للفن الحديث، ومسرحاً يلتقي فيه الضوء بجرأة التجريب، وهناك انفتح على عالم لم يكن يعرفه في موطنه، التقى بالانطباعيين الكبار مثل كلود مونيه وبيير أوغست رينوار، الذين جعلوا من الضوء بطلاً حقيقياً للوحة، كما تعرّف على الطليعيين المتمردين، أمثال تولوز- لوترك وبول غوغان، الذين كانوا يوسّعون حدود الفن خارج قوالبه المألوفة.تأثر فان غوخ بالانطباعية في حساسيتها المرهفة لتغيرات الضوء واللون، لكنه لم يقبل أن يكون مجرد ناسخ أمين للمشهد كما تراه العين، وأراد للوحة أن تكون أكثر من انعكاس بصري، أرادها أن تنطق بما يختلج في الروح، أن تحمل أثر الانفعال لا مجرد أثر الضوء. ومع مرور الوقت، صارت ضربات فرشاته أكثر جرأة وتوتراً، تتلوى وتتشابك كما لو كانت تسجّل نبضاً داخلياً، وصارت ألوانه أكثر إشراقاً وحرارة، مائلة إلى الأصفر النابض والأزرق العميق والأخضر الحي، وكأن اللوحة تشتعل من الداخل.بهذا المزج الفريد بين الانطباعية والتعبيرية، بين دقة الملاحظة الحسيّة وعمق التفسير النفسي، أسّس فان غوخ لأحد أعمدة ما يُعرف بـ«ما بعد الانطباعية»، ولم يكتفِ بالتقاط ما هو موجود، بل أعاد صياغته وفق شعوره الخاص، ليمنح المشهد أبعاداً وجدانية وفلسفية لم تكن مألوفة في زمنه. حياة ومصيركانت حياة فنسنت فان غوخ ساحة مفتوحة لصراعات لا تهدأ، وكأن قلبه وذهنه كانا دائماً في معركة مع العالم ومع ذاته في آن واحد. وصداقاته، مثل لوحاته، كانت ملتهبة ومكثّفة، تبدأ بشغف حارق وتنتهي غالباً بانفجار، وأبرز تلك العلاقات كانت صداقته بالفنان الفرنسي بول غوغان، التي تحولت من حوار إبداعي ثري إلى مواجهة عنيفة، انتهت بالحادثة الأشهر قطع فان غوخ جزءاً من أذنه اليسرى، في لحظة انكسار عصبي لا تزال غامضة حتى اليوم، وكأن الجرح الجسدي كان انعكاساً لروحه الممزقة. والمرض النفسي كان رفيق دربه المظلم، تارة في هيئة نوبات هوسية تملؤه بطاقة هائلة، وتارة أخرى في هيئة اكتئاب يجره نحو الإحساس بالعدم. رحل فان غوخ في صيف 1890، مثقلاً بألوانه وأسئلته التي لم تجد جواباً، وكانت الرصاصة سواء جاءت من يده أو من يد الآخرين، أشبه بنقطة النهاية في جملة طويلة كتبها بالفرشاة والدم معاً، عاد من الحقل جريحاً، وكأن الحقول التي كانت ملاذه الأخير، قررت أن تغلق أبوابها أمامه، وجلس في غرفته ينتظر النهاية، وبجواره ثيو، الأخ الذي كان وطنه الوحيد، وكأن العالم اختصر في تلك اللحظة إلى شخصين وصمت ثقيل، وموته لم يكن مجرد غياب جسد، بل اكتمال حتمي لمسار روح ظلّت تحترق بحثاً عن نور لا يطفئه الحزن.
علي عبد الرحمنكان فنسنت فان غوخ يمشي في العالم كمن يسير في حلم لم يكتمل، كأنه يتلمس...
في مهرجان القنيطرة، لم يكن صعود المعجبة إلى منصة الفنان” لمجرد” لحظة عابرة في...
“سنجد سقطي” هو اسم لمرض وراثي نادر جدًا، وينتج عنه نقص في هرمون الغدد جارات...
“سنجد سقطي” هو اسم لمرض وراثي نادر جدًا، وينتج عنه نقص في هرمون الغدد جارات...
في لحظة إنسانية نادرة، اعتلى ناصر الزفزافي سطح بيت العائلة بأجدير، ليودّع والده...
بقلم: د. منى أحمد أبو حمدية* مقدمة: تلفزيون فلسطين … صوت يعلو على الضجيج في زمن...
بقلم: د. منى أحمد أبو حمدية* مقدمة: تلفزيون فلسطين … صوت يعلو على الضجيج في زمن...
رحل والد ناصر الزفزافي، الرجل الذي حمل قلبه مثقلا بالامل والألم في آن واحد، تاركا...
رحل والد ناصر الزفزافي، الرجل الذي حمل قلبه مثقلا بالامل والألم في آن واحد، تاركا...
كشفت دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعة أريزونا أن الكوكب القزم سيريس ربما كان...