- ALBILADPRESS.COM - A la Une - Hier 22:54

موسم ليمون الأحساء.. وجهة سياحية زراعية بنكهة تراثية

في قلب محافظة الأحساء، الواقعة شرق المملكة العربية السعودية، يبشّر فصل الصيف بوصول أحد أثمن كنوزها الزراعية: الليمون الأخضر الحساوي. ويتميّز هذا الليمون برائحته الزكية، وملمسه الناعم، وطعمه المنعش، ويُعد ثاني أهم محصول في واحة الأحساء بعد التمر، بفضل جودته العالية وتنوع استخداماته. كما تحيط بعملية حصاده طقوس تقليدية تعبّر عن مكانته الثقافية المتجذّرة. معرض “اللومي الحساوي”: تسويق وتراث وسياحة تحوّل موسم حصاد الليمون الحساوي في السنوات الأخيرة إلى مناسبة زراعية وتجارية وثقافية، تحمل أبعادًا متعددة من الترويج الاقتصادي والسياحي. ومن أبرز مظاهر هذا التحوّل، تدشين صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن طلال بن بدر، محافظ الأحساء، للمعرض الزراعي الأول “اللومي الحساوي 2024”، بتنظيم من غرفة الأحساء، وبالشراكة مع المحافظة وهيئة تطوير الأحساء ووزارة البيئة والمياه والزراعة، وعدد من الجهات الداعمة. ويجري حاليًّا التحضير لإطلاق النسخة الثانية من المعرض، “اللومي الحساوي 2025”، المقرّر عقده من 21 أغسطس إلى 6 سبتمبر، بدعم كبير من سمو المحافظ، استمرارًا لجهود تعزيز مكانة الليمون الحساوي كمنتج استراتيجي وسياحي. أُقيم المعرض على أرض الغرفة المجاورة لمقرها، بحضور مسؤولين، ورجال وسيدات أعمال، ومستثمرين، ومزارعين، ومهتمين بالشأن الزراعي، حيث سُلّط الضوء على المنتجات المستخرجة من الليمون، مثل: 1. الليمون المشمّس 2. عصير الليمون الطبيعي 3. مخلل الليمون 4. جميد الليمون وقد ساهم المعرض في ترسيخ صورة الليمون الحساوي كرمز زراعي واقتصادي وسياحي، وجذب المهتمين بالطبيعة، والمنتجات العضوية، والتراث المحلي. تقاليد الحصاد اليدوي مع بداية الصيف، تمارس العائلات الأحسائية عادة موسمية محببة، تتمثّل في عصر كميات كبيرة من الليمون يدويًّا، دون الاستعانة بالآلات الحديثة، حفاظًا على نكهته الطبيعية وتركيبته الكاملة. يُخزّن العصير لاستخدامه على مدار العام، فيضفي نكهة وفوائد صحية على الأطعمة والمشروبات التقليدية. هذا الطقس الشعبي يعكس روح التعاون الأسري وارتباط الناس بالأرض ومواسمها. جولات سياحية وسط بساتين الليمون وفي ظل تنامي الاهتمام بالسياحة الزراعية والتجارب الأصيلة، بات موسم حصاد الليمون في الأحساء فرصة مميزة لاستقطاب الزوار عبر تنظيم جولات سياحية إلى المزارع. وتوفّر هذه الجولات للزائرين تجربة حسّية متكاملة تبدأ باستنشاق روائح الليمون النفّاذة وسط بساتين خضراء، وتمتد لتشمل المشاركة الفعلية في قطف الليمون يدويًّا بأساليب تقليدية تعكس عراقة الموروث المحلي. كما تُنظم جولات أخرى مخصصة لحضور ومشاركة الزوار في عملية عصر الليمون يدويًا على الطريقة الحساوية، حيث تُستعرض أمامهم الأدوات التقليدية، وتُشرح لهم الخطوات المتبعة منذ القدم لاستخلاص العصير الطبيعي. ويستمتع السياح خلال هذه الفعاليات بالاطّلاع على تفاصيل دقيقة من الثقافة المحلية، بدءًا من تقنيات الزراعة والعصر، وصولًا إلى طرق التخزين واستخدامات الليمون في المطبخ الحساوي. وتُشكّل هذه التجارب عنصر جذب مهم لعشّاق السياحة الريفية والباحثين عن التفاعل الحيّ مع البيئات الزراعية والثقافية الأصيلة في المملكة. استخدامات ليمون الأحساء في المطبخ يشكّل ليمون الأحساء عنصرًا أساسًا في المطبخ التقليدي، ولا تزال بعض العائلات تحافظ على طرق التحضير التراثية مثل: طريقة “الجميد”: يُعصر الليمون ويُصفّى، ثم يُغطى بقطعة قماش لتتبخّر السوائل، منتجًا عصيرًا مركزًا يُستخدم لاحقًا كمشروب مخفف. طريقة “التعتيق”: يُخلط عصير الليمون بالملح والقرنفل، ويُحفظ في مرطبان زجاجي محكم، ويُجفف تحت الشمس لمدة شهر على الأقل. يُستخدم هذا المزيج لإضافة نكهة مميزة للأطباق، خاصة في رمضان. الليمون المجمد: تُحضّر بعض الأسر عصير ليمون مضافًا إليه السكر، ويُجمّد في أكياس صغيرة ليُستخدم كمشروب بارد خلال الصيف. (اقرأ الموضوع كاملا بالموقع الإلكتروني) أولى الإشارات الشعرية للّيمون تاريخيًّا، لم يُذكر الليمون كثيرًا في الشعر العربي القديم، نظرًا لعدم انتشاره في الجزيرة العربية قبل العصور الإسلامية المتأخرة، حيث يُعتقد أن أصله يعود إلى جنوب شرق آسيا، ثم انتقل عبر فارس والهند إلى البلاد العربية خلال العصور العباسية. وفي هذا السياق، يوضح سعد عبدالله، وهو أحد مزارعي الأحساء، أن الليمون بدأ يُزرع في واحة الأحساء خلال القرون القليلة الماضية. أما أول ذكر شعري صريح للّيمون، فيُنسَب إلى الشاعر الأندلسي ابن سهل (ت. 649 هـ /‏ 1251 م)، الذي قال في وصف محبوبته: كأنها الليمون في أكمامهِ أو كالبدور إذا بدت في الظلمِ  في هذا البيت، يشبّه الشاعر جمال وجه الحبيبة بندى الليمون وأناقة شكله. موسم الحصاد والانتعاش الاقتصادي يبدأ حصاد ليمون الأحساء عادة في منتصف يونيو، بالتزامن مع نضج فواكه أخرى مثل التمر والتين. وتُعد درجات الحرارة المرتفعة والرطوبة العالية في الأحساء عوامل مثالية لنضج الليمون. وقد شهد الإنتاج ازدهارًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة بعد فترة من التراجع بسبب انخفاض الأسعار وشح المياه. كشفت بيانات إحصائية عن ارتفاع ملحوظ في الإنتاج السنوي من اللومي الحساوي، حيث قفز من 5,600 طن إلى نحو 7,000 طن سنويًّا، مما يعكس تنامي الاهتمام بزراعة هذا المحصول الاستراتيجي في واحة الأحساء. وتشير الإحصاءات إلى وجود نحو 225 ألف شجرة ليمون مزروعة في المنطقةويبلغ متوسط إنتاج الشجرة الواحدة نحو 25 إلى 30 كيلوغرامًا خلال الموسم. ويُعرف الليمون الحساوي محليًّا بأسماء متعددة، أبرزها “الليمون القطيفي” و”البن زهيري”. فوائد صحية وغذائية يتميّز ليمون الأحساء برائحته القوية، وقشرته الرقيقة، وغزارته بالعصير، ويحتفظ بلونه الأخضر الزاهي ونكهته لفترات طويلة. كما أنه غني بفيتامين C، والمغنيسيوم، والبوتاسيوم، ومضادات الأكسدة، مما يجعله مفيدًا في دعم امتصاص الحديد، ومناسبًا للأنظمة الغذائية الصحية. تراث حيّ بنكهة الأحساء مع تزايد الاهتمام المحلي والدولي بالمهرجانات الزراعية والسياحة الريفية، يبرز ليمون الأحساء كأيقونة فريدة تجمع بين النكهة، والهوية، والجذب السياحي. فهو ليس مجرد فاكهة، بل رمز للتراث والمجتمع المحلي. ومن لحظة قطافه حتى أساليب استخدامه، يعكس هذا الليمون جوهر الهوية الزراعية والثقافية في الأحساء. وللزوار، فإن تجربة حصاد ليمون الأحساء تفتح نافذة على التقاليد العريقة، وتُظهر مكانة هذا المحصول النابض بالحياة في تفاصيل الحياة اليومية لأهالي المنطقة.   مقالة مقتطفة من كتاب الدليل السياحي للأحساء “سلسلة جولات السعودية” 2025 تأليف د. محمد الزكري أخصائي تراث وسياحة