- ALBILADPRESS.COM - A la Une - Hier 14:00

السياحة البيئية في كوستاريكا: مغامرة خضراء وسط الطبيعة

بين جبالها الخضراء وشواطئها الذهبية وغاباتها المطيرة الكثيفة، تبرز كوستاريكا كواحدة من أبرز الوجهات العالمية للسياحة البيئية، وقد رسّخت لنفسها مكانة مميزة لدى المسافرين الباحثين عن التجارب المستدامة والتفاعل الحقيقي مع البيئة. في بلد صغير المساحة مثل كوستاريكا، يمكنك أن تجد تنوعًا بيئيًا هائلًا يشمل براكين نشطة، محميات طبيعية، أنهارًا صافية، وحياة برية فريدة. ولأن الدولة اختارت منذ عقود أن تحافظ على مواردها الطبيعية وتدمجها في نموذج اقتصادي صديق للبيئة، باتت كوستاريكا مثالًا حيًا على كيف يمكن للسياحة أن تكون وسيلة للحفاظ على البيئة وليس تهديدًا لها، حيث تشكل المحميات والمتنزهات الوطنية ما يقرب من 25% من مساحة البلاد، في واحد من أعلى المعدلات على مستوى العالم. المنتزهات الوطنية والمحميات: قلب التجربة البيئية تضم كوستاريكا أكثر من 30 متنزهًا وطنيًا، ولكل منها طابعه البيئي المميز، لكن جميعها تشترك في شيء واحد: الالتزام الصارم بالحفاظ على النظام البيئي وتوفير تجربة تعليمية وترفيهية للزوار. على سبيل المثال، يُعتبر "منتزه كوركوڤادو الوطني" أحد أكثر النظم البيئية تنوعًا في العالم، حيث يمكن مشاهدة حيوانات نادرة مثل الجاكوار، والتابير، وأنواع متعددة من القرود والطيور الاستوائية. كما يُعد "منتزه بركان أرينال" وجهة رئيسية لعشاق المغامرة والمشي وسط الغابات المطيرة ومراقبة النشاط البركاني من مسافات آمنة. في هذه المواقع، لا تُشجع الحكومة فقط على السياحة المسؤولة، بل تفرض إجراءات صارمة على الشركات السياحية لحماية الطبيعة، من بينها تحديد أعداد الزوار وتدريب الأدلاء السياحيين على مبادئ الحفاظ على البيئة. الإقامة المستدامة والتفاعل مع المجتمع المحلي تتميز كوستاريكا بعدد كبير من الفنادق والنُزل البيئية التي توفر إقامة مريحة دون الإضرار بالبيئة. هذه المنشآت تستخدم مصادر طاقة متجددة، وتقلل من استخدام البلاستيك، وتحرص على تقديم أطعمة محلية عضوية. ومن أهم ما يميز هذه الأماكن هو إشراك الزائر في أنشطة تعليمية مثل زراعة الأشجار، أو صنع السماد الطبيعي، أو المشاركة في ورش عمل مع سكان القرى القريبة. كما تشجّع برامج السياحة البيئية في البلاد على دعم الاقتصاد المحلي من خلال زيارة الأسواق التقليدية والتعرف على الحرف اليدوية والتراث الثقافي لسكان كوستاريكا. وبهذه الطريقة، يصبح السائح جزءًا من سلسلة مستدامة تعود بالفائدة على البيئة والمجتمع المحلي معًا. رحلات المغامرة والمسارات الطبيعية في قلب الغابات توفر كوستاريكا مجموعة واسعة من الأنشطة التي تدمج بين الترفيه وحب الطبيعة، مثل التجديف في الأنهار، والتزلج على الحبال بين قمم الأشجار، والمشي لمسافات طويلة في المسارات البيئية المصممة بعناية، والتي تمر بين الشلالات والوديان المورقة. كما تشتهر البلاد برحلات مراقبة الطيور، حيث يمكن مشاهدة أكثر من 900 نوع في مواسم الهجرة أو في البيئات المحلية الثابتة. وتُعد غابة "مونتيفيردي السحابية" من أشهر المواقع التي تجذب هواة التصوير وعشاق الحياة البرية، بفضل أجوائها الضبابية وثرائها البيولوجي الهائل. هذه الأنشطة لا تقتصر على إثارة الحواس، بل تزرع في الزائر وعيًا بيئيًا طويل الأمد يدفعه للتفكير بمسؤوليته كفرد في حماية الطبيعة. إن السياحة البيئية في كوستاريكا ليست مجرد عطلة في أحضان الطبيعة، بل تجربة عميقة تدعو الزائر إلى التأمل في الجمال والتوازن الذي توفره البيئة السليمة، وإلى الإسهام في جهود الحفاظ عليها من خلال اختياراته اليومية أثناء السفر. ومع تزايد الاهتمام العالمي بالاستدامة، تقدم كوستاريكا نموذجًا واقعيًا يُحتذى به، حيث تندمج رفاهية السفر مع احترام النظام البيئي. إنها دعوة لكل مسافر واعٍ أن يعيد اكتشاف متعة السفر عبر مسارات مسؤولة، حيث تكون الطبيعة شريكًا في الرحلة، لا مجرد خلفية لها. تم نشر هذا المقال على موقع سائح