X

Vous n'êtes pas connecté

  - ELWATAN.INFO - آراء وتحليلات - 18/Jun 16:53

موريتانيا بين الرهانات الداخلية والتحديات الخارجية بقلم: محمد لحظانه

في عالم تتسارع فيه التحولات وتتداخل فيه الأزمات، لم تعد السياسة رفاهًا نظريًا أو ترفًا مؤجلاً، بل أصبحت استجابةً مستمرة لتحصين الدول من آثار الارتدادات الإقليمية والدولية. ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن التوجه العام للنظام الموريتاني الحالي بقيادة فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، يمثل نهجًا استباقيًا متكاملًا يهدف إلى تعزيز مناعة الدولة، وصيانة استقرارها الداخلي، ووقايتها من تداعيات الأزمات المحيطة. لكن هذه النظرة الاستباقية، رغم وضوحها في منطلقاتها ومقاصدها، لم تُفهم حق الفهم من قبل بعض الأطراف، إما لأنها لم تُلامس بعدَ آثارها الإيجابية في بعض القطاعات بالمستوى المطلوب ، أو لأنها اصطدمت بذهنية انتظارية لا ترى في الفعل السياسي إلا ردّ فعل مباشر على الواقع القائم، لا استثمارًا في التوقي منه قبل استفحاله. لقد أصبح من المتعذر اليوم فصل السياسات العمومية عن محيطها الدولي، إذ باتت التحديات الخارجية – من نزاعات جيوسياسية إلى تهديدات بيئية وأمنية – جزءًا لا يتجزأ من معادلة الحكم الرشيد. فالتحولات الجيوسياسية في الساحل، والأزمات الاقتصادية العالمية، وتبدلات موازين القوى، تُحتم علينا تطوير أدوات داخلية مرنة وقادرة على التفاعل. ومن هنا، يصبح الحفاظ على الاستقرار السياسي والاجتماعي ليس مجرد غاية، بل وسيلة لا بد منها لضمان المناعة الوطنية. في هذا السياق، فإن سياسة التهدئة والانفتاح التي انتهجها فخامة الرئيس لم تكن خيارًا ظرفيًا، بل تمثل ترجمة واعية لهذه المتغيرات، ومحاولة لبناء جبهة داخلية صلبة تعزز التماسك وتقلل من قابلية البلاد للاختراق. وقد فرضت اللحظة الإقليمية والدولية هذه المقاربة، التي ترتكز على الحوار، وتوسيع قاعدة المشاركة، وتعزيز الثقة بين الدولة والمجتمع. غير أن نجاح هذا التوجه، يتطلب دورًا فاعلًا من الجهاز التنفيذي، الذي يُعهد إليه بتنزيل هذه الرؤية وتحويلها إلى سياسات ملموسة. وهو دور يتطلب جهدًا كبيرًا، وانسجامًا مؤسسيًا، وتناغمًا بين مختلف القطاعات الحكومية، بما يضمن تسريع وتيرة العمل والابتعاد عن الخلافات الشخصية والاعتبارات الفئوية التي تعرقل الانسجام وتضعف الفعالية. فكل تراجع أو تردد في هذا السياق يمثل ثغرة يمكن أن تنفذ منها الهشاشة، ويُفقد الرؤية شموليتها وفعاليتها. كما أن بعض القطاعات الحكومية، للأسف، لم تُواكب هذا التوجه بالوتيرة المطلوبة، ما أضعف أحيانًا من زخم الإصلاح، وأربك تفاعل المواطن مع أولويات الدولة. ومن هنا، فإن تفعيل هذا المسار الاستباقي لا يكتمل إلا بتجاوز منطق التسيير الإداري الروتيني إلى روح الفعل الاستراتيجي الذي يتوقع ويتفاعل، بدل أن يُفاجأ ويُستدرَك. وبالنظر إلى التحديات العابرة للحدود – من تغيّر مناخي، إلى الهجرة غير النظامية، إلى تهديد الإرهاب – فإن موريتانيا مطالبة بأن تظل يقظة، وأن تعزز تعاونها الإقليمي، وتُفعّل أدواتها السيادية، وتستثمر الثقة الدولية التي أصبحت تحظى بها على نطاق واسع. فهذه الثقة ليست فقط مكسبًا ديبلوماسيًا، بل رصيد استراتيجي لا بد أن يُترجم إلى فرص استثمار، ومشاريع تنموية، ومكانة متقدمة في منظومة الشراكات الدولية. لكن هذا الرصيد لا يصمد إلا بوجود مؤسسات قوية، وإدارة رشيدة، ومجتمع يقظ، ورأي عام نقدي يميّز بين الإنجاز والتقصير. من هنا تأتي أهمية محاربة الفساد، وتجفيف منابع الرشوة، والتصدي لاستغلال النفوذ. فكل تلك المظاهر تقوّض الثقة، وتضعف مناعة الدولة، وتفسد العلاقة بين المواطن ومؤسسات الحكم. وفي ذات السياق، فإن النقد البنّاء يجب أن يُحتضن، لا أن يُخشى، تمامًا كما يجب التنويه بالإنجاز متى تحقق. وعلى الطيف السياسي أن يُدرك أن المعارضة ليست نقيضًا للمواطنة، كما أن الموالاة ليست ذريعة للصمت أو التبرير. فتكامل الأدوار بين مختلف القوى هو ما يصنع حيوية الحياة السياسية ويُثري القرار الوطني. ولا يمكن إغفال دور الإعلام الوطني، الذي لا يزال، في جوانب كثيرة، دون المستوى المأمول. فالمرحلة تتطلب إعلامًا مسؤولًا، يواكب التحولات، ويرتقي بالنقاش العمومي، ويساهم في تشكيل وعي وطني يُحصّن المجتمع من الانقسام والاستقطاب. هكذا نفهم القيادة حين تتسلّح بالهدوء، وترتكز على الفهم العميق للسياق، وتسعى لصياغة سياسات واقعية تعبر من اللحظة إلى المستقبل بثقة ومسؤولية ،لكن القيادة وحدها لا تكفي، إن لم تجد من يستوعب رؤيتها، ويترجمها إلى وعي جمعي، وسلوك وطني رشيد

Articles similaires

Sorry! Image not available at this time

أكادير: حين تبادر السلطة الترابية: أمزازي ينعش دماء مدينة الابتكار

tamghrabit24.ma - 27/Jun 12:48

في قلب أكادير، وتحت شمس الأمل لا تزال تؤمن بقدرة الإنسان على مغالبة التحدي، بإشراف...

إيلون ماسك يثير الجدل باهتمامه بتوفير الإنترنت الفضائي في لبنان وسط أزمات الاتصالات

almaghribtoday.net - 01/Jul 17:50

ليس سرّاً أن قطاع الاتصالات في لبنان يعاني من أزمات متراكمة، نتيجة هشاشة البنية...

Sorry! Image not available at this time

بين الشك واليقين: كيف يتأثر الذهب بالتقلبات الراهنة؟

albiladpress.com - 20/Jun 13:07

لا أعرف ما إذا كان هذا يحدث مع الجميع، لكن كلما سمعت بخبر سياسي كبير أو أزمة مالية...

Sorry! Image not available at this time

لفتيت: مسؤولية الإدماج الفعلي لمغاربة العالم في القرار السياسي الوطني حزبية أيضا

tamghrabit24.ma - 22/Jun 14:17

تُعد مشاركة الجالية المغربية المقيمة بالخارج في الحياة السياسية الوطنية إحدى...

Sorry! Image not available at this time

لفتيت: مسؤولية الإدماج الفعلي لمغاربة العالم في القرار السياسي الوطني حزبية أيضا

tamghrabit24.ma - 22/Jun 14:17

تُعد مشاركة الجالية المغربية المقيمة بالخارج في الحياة السياسية الوطنية إحدى...

Sorry! Image not available at this time

تحقيق "البلاد": أساليب “تطفيش” البحرينيين.. كوميديا سوداء منبوذة

albiladpress.com - 21/Jun 21:38

بداية، لم تكن المعلومة أو القصة صادمة على الإطلاق! كيف؟ من باب استطلاع آراء القراء...

Sorry! Image not available at this time

تحقيق "البلاد": أساليب “تطفيش” البحرينيين.. كوميديا سوداء منبوذة

albiladpress.com - 21/Jun 21:38

بداية، لم تكن المعلومة أو القصة صادمة على الإطلاق! كيف؟ من باب استطلاع آراء القراء...

Sorry! Image not available at this time

عاشوراء فوق الإعلانات.. وقفة احترام من بلوقرز وصناع محتوى بحرينيون

albiladpress.com - 28/Jun 16:06

في زمن تُقاس فيه النجومية بعدد الإعلانات، وفي عالم تُحسب فيه الثواني بالربح...

Sorry! Image not available at this time

عاشوراء فوق الإعلانات.. وقفة احترام من بلوقرز وصناع محتوى بحرينيون

albiladpress.com - 28/Jun 16:06

في زمن تُقاس فيه النجومية بعدد الإعلانات، وفي عالم تُحسب فيه الثواني بالربح...

Sorry! Image not available at this time

مواطنون لـ "البلاد": نواجه الأزمات بالتكاتف وتخزين الذهب

albiladpress.com - 24/Jun 11:43

بين جنبات المقاهي وأزقة الشوارع، حيث تفوح رائحة الشاي وتعلو الأحاديث العفوية،...

Les derniers communiqués

  • Aucun élément