- ALBILADPRESS.COM - A la Une - 03/Jul 19:51

مراسم عاشوراء توثق مأساة ضحايا الحروب

مع مطلع شهر محرّم، تنبض البحرين بإيقاع مختلف، إذ تتحوّل الشوارع والساحات والمآتم إلى مساحات حيّة تستحضر فيها الذاكرة الجماعية ملحمة كربلاء، لا بالبكاء فقط، بل بالفن الذي يروي الحكاية، ويُحيي الرموز، ويزرع في النفوس معنى الفداء. ففي موسم عاشوراء، لا يقتصر الحضور الحسيني على المراسم الدينية والخُطب، بل يمتدّ ليشمل المسرح واللوحة والراية والإنشاد، في تمازج فريد بين الشعور الديني والتعبير الفني، لتظل البحرين نموذجا ثقافيا وروحيا متفرّدا في إحياء هذا الحدث. وفي هذا السياق، افتُتح المرسم الحسيني السنوي في قلب العاصمة المنامة، إلى جانب مهرجان الإمام الحسين الفني للفنان التشكيلي عباس الموسوي، الذي يُقام هذا العام تحت شعار “ربع قرن من العطاء الحسيني”، بحضور رئيس الأوقاف الجعفرية يوسف الصالح، وبرعاية كريمة من إدارة الأوقاف الجعفرية، وبحضور كل من رئيس مجلس إدارة مؤسسة التنظيم العقاري عصام خلف، ورئيس مجلس أمانة العاصمة صالح طرادة، إلى جانب عدد من أعضاء مجلس الأوقاف، وشخصيات رسمية، وفنانين، وجمهور واسع من المهتمين بالشأنين الثقافي والديني، ليؤرّخ مسيرة فنية امتدت لأكثر من 25 عاما في خدمة القضيّة الحسينية بريشة الفن. وفي هذا الصدد، أشاد رئيس الأوقاف الجعفرية يوسف الصالح بالفنان عباس الموسوي، مؤكدا أنه فنان لا يقتصر حضوره على الساحة البحرينية فحسب، بل يمتد تأثيره إلى المستوى العالمي، عبر أعماله. وأشار الصالح إلى أن المرسم هذا العام أولى اهتماما خاصا بضحايا الحروب، وتحديدا الأطفال، الذين يُعدّون الفئة الأكثر تضررا، لافتا إلى أن اللوحة الرئيسة في المعرض خُصّصت لتجسيد معاناة الأطفال في مناطق النزاع في العالم، تأكيدا لأن الطفولة غالبا ما تكون الضحية الأولى في كل الحروب. من جانبه، أكّد الفنان التشكيلي عباس الموسوي أن المرسم الحسيني، الذي انطلق قبل 26 عاما، يسعى إلى تقديم الفن كوسيلة للتعبير عن رؤية فكرية وإنسانية تجاه قضية الإمام الحسين عليه السلام، موضحا أن هذه القضية، على رغم طابعها المأساوي، أصبحت نموذجا عالميا يُجسّد السعي للإصلاح والعدالة، وهي القيم التي ما زالت تُحارَب حتى اليوم. وأشار الموسوي إلى أن مرسم هذا العام ركّز خصوصا على الأطفال كضحايا أولى للحروب والصراعات، موضحا أن أول شهيد في واقعة كربلاء كان الطفل الرضيع، ومن بعده عانى الأطفال من الاضطهاد والخوف والدمار، وهي مشاهد تتكرر حتى اليوم في مختلف مناطق العالم. وأضاف “الأطفال هم رسل السلام، وهم من يستحقون أن نُسلّمهم أرضا أكثر أمانا ومحبة وجمالا، تألمنا كثيرا ونحن نشاهد صور معاناة الأطفال في وسائل الإعلام، لذلك كان هدفنا هذا العام هو تسليط الضوء على آلامهم من خلال لوحات تعبّر عن وجوههم، وخوفهم، وحزنهم، وأحلامهم المسلوبة”. وأوضح الموسوي أن الأطفال أنفسهم شاركوا في إنتاج أعمال فنية ضمن المرسم، وستُعرض هذه المشاركة في فيلم سينمائي يُختتم به المعرض، ليُبرز نظرة البحرين لقضية عاشوراء بوصفها رسالة سلام تبدأ من الأطفال وتخاطب العالم بلغة الفن، “وهي أجمل لغة يمكن أن نُوصل بها قيمنا ومبادئنا”، حسب تعبيره. وفي سياق متصل، أوضح حسين عبدعلي، أحد منظّمي جمعية المرسم الحسيني، أن المرسم انطلق لأول مرة في العام 2001 بمشاركة خمسة فنانين فقط، كانوا النواة الأولى لهذه التجربة، مشيدا بشجاعتهم في الوقوف أمام جمهور واسع؛ ما أسهم في استمرار المشروع وتطوره على مدى 25 عاما. وأشار إلى أن المرسم مرّ بمراحل مختلفة من حيث الإمكانات والموارد، بين صعود وتحديات، إلا أنه استطاع المحافظة على زخمه واستقطاب الفنانين من مختلف التخصصات عاما بعد عام. وبيّن أن المرسم لا يقتصر على فئة الكبار، بل يحرص أيضا على إشراك الأطفال، إذ نُظّمت في السنوات الماضية دورات فنية خاصة بهم، وهو ما يساهم في غرس القيم والمفاهيم الحسينية في نفوس الأجيال الناشئة. وأضاف عبدعلي أن المرسم يُعدّ منصة لإنتاج عدد كبير من الأعمال الفنية التي تنتقل لاحقا إلى مراسم أخرى داخل البحرين وخارجها؛ ما يساهم في نشر الرسالة الحسينية عبر الفن، وتحفيز الآخرين على استخدام الرسم كوسيلة للتعبير. ولفت إلى أن المرسم، على رغم تغير الظروف على مرّ السنين، لم يتوقف عن العمل في أي موسم، مؤكدا أن “الرسم هو لغة بصرية عالمية يفهمها الجميع، من الطفل الصغير إلى الشيخ الكبير، وهي وسيلة تعبّر عن الصور التي غرسها المنبر من خلال الخطب والقصائد والمآتم”. وعدّ عبدعلي المرسم امتدادا للمنبر الحسيني، لكنه يختلف من حيث الأداة، فكما أن الخطيب يخاطب العقول بالكلمة، فإن الفنان يخاطب الوجدان بالصورة، مؤكدا أن كليهما يُسهم في ترسيخ القيم التي انبثقت من ثورة الإمام الحسين عليه السلام، ويعزّزها في وجدان المجتمع. توظيف الفن  وقال المشارك جواد ميرزا، إنه يحرص على المشاركة السنوية في المرسم الحسيني منذ سنوات طويلة، مؤكدا أنه يجد في الرسم وسيلته الخاصة للتعبير عن مشاعره وتجسيد حبه للإمام الحسين عبر الفن. وقالت الفنانة التشكيلية آيات بهرام، إنها شاركت في المرسم هذا العام بلوحة زيتية تجسّد واقعة كربلاء وتعبّر عن أحداثها، مشيرة إلى أن الفن بالنسبة لها رسالة تحرص على إيصالها للناس بهدف التوعية، مؤكدة أن دورها كفنانة يتمثل في استخدام الريشة كوسيلة لنشر المفهوم الحسيني وتسليط الضوء على القيم التي تجسّدها القضية الحسينية.