X

Vous n'êtes pas connecté

  - ALBILADPRESS.COM - A la Une - 11/Jul 21:16

كنا نصرف 500 دينار شهريا على المخدرات

في كل زاوية مظلمة من طريق الإدمان، هناك دائمًا شعاع أمل ينتظر أن يكتشفه صاحبه. قد تدفعنا الحياة أحيانًا إلى اتخاذ قرارات خاطئة، فننزلق في طرق وعرة لم نخترها بملء إرادتنا، لكن اللحظة التي نقرر فيها التغيير تكون بداية قصة جديدة، مختلفة، ومليئة بالإرادة. نقف احترامًا لأولئك الذين تحدّوا الألم، وانتصروا على الإدمان، واستعادوا حياتهم بعد أن ظنّوا أنهم فقدوها، نستعرض قصصًا حقيقية لأشخاص قاوموا، تعافوا، وأصبحوا مصدر إلهام لغيرهم، هم شهادة حيّة على أن التعافي ممكن، وأن كل سقوط يمكن أن يتبعه نهوض أقوى، هذه القصص نطقت بلسان أصحابها بكل شجاعة، وأمل، وتميزهم بالقدرة الإنسانية المذهلة على التغيير. “البلاد” التقت أشخاصًا ملهمين في عالم التشافي من الإدمان ضمن برنامج “تعافي”، الذي يُعد أحد مخرجات الخطة الوطنية لمكافحة المخدرات بوزارة الداخلية. العودة إلى الحياة في زاوية هادئة جلس “أ” ذو الـ 42 عامًا، يتحدث بصوت خافت يشوبه مزيج من الندم والأمل، يسرد قصته التي ليست مجرد حكاية مدمن سابق، بل شهادة حيّة على أن التعافي مهما طال الطريق واشتدت العتمة لم يفقد الإرادة والعزيمة، إذ بدأت رحلته مع الإدمان في سنٍ مبكرة، لم يكن قد تجاوز الخامسة عشرة حين وجد نفسه يتنقل بين الأصدقاء وزملاء المدرسة، يبحث عن انتماء فقده في منزله المفكك، وهو الابن الأكبر لوالدين منفصلين، وحمّلته الحياة مسؤوليات لا طاقة له بها، فكان الفراغ العاطفي يتسع بداخله يومًا بعد يوم. يتحدث “أ” وهو ينظر بعيدًا وكأن الذكريات ما تزال تطارده: في البداية كنت أشعر بالقبول من أناس أكبر مني، منحوني إحساسًا زائفًا بالأخوة والاهتمام، لم أكن أدرك أنهم يرون فيّ صيدًا سهلًا، بالإضافة إلى إنهم كانوا يعرفون أنني هشّ من الداخل. استرسل في حديثه قائلا: استمررت في التعاطي قرابة عشرين عامًا، إذ كنت أعمل، وأتفاعل مع أسرتي، وأحاول أن أبدو طبيعيًا على رغم الفوضى الداخلية والصراع الكبير، كنت أرتدي قناع الاتزان؛ حتى لا ينهار من حولي، وكي لا أضيف عبئًا جديدًا على عائلتي. نقطة التحول جاءت متأخرة، لكنها جاءت في الوقت المناسب، عندما وجد نفسه محاطًا بأشخاص يسحبونه نحو القاع، وبدأ يشعر أن لا أحد منهم يضيف شيئًا حقيقيًا لحياته، عندها، قرر أن يبدأ من جديد، فالتحق ببرنامج “تعافي”، وهناك بدأت الرحلة الحقيقية نحو النور. وأردف قائلا: برنامج تعافي لم يكن مجرد علاج طبي، لم يقدموا لي أدوية فحسب، بل منحوني الأمان، وشعرت لأول مرة بأنني أنتمي للحياة من جديد، وأنني إنسان له قيمة وفرصة ثانية. اليوم “أ” يعيش حياة جديدة وطبيعية، يخوض معركة التعافي بكل وعي، ويسعى لأن يكون صوتًا لكل من ما يزال في بداية الطريق، لكل من يشعر أنه لا يستطيع الخروج، فقصته ليست استثناء إنما دليل على أن التعافي ليس مستحيلًا. هو خيار، يتطلب شجاعة المواجهة، وإرادة التغيير، وبيئة داعمة تؤمن بأن الإنسان يستحق دائمًا فرصة ثانية. إدمان الحشيش في إحدى أمسيات الغربة كان “ب” في بداية رحلته الدراسية وعنفوان حماسته الشبابية، عندما جلس مع أصدقاء جدد دعوه لتجربة الحشيش، كانت البداية بكلمات بسيطة “الحشيش لا يسبب الإدمان”. صدّق الكذبة، وكانت تلك أول خطوة يسيرها على طريق مظلم لم يكن يتوقعه. “ب” أخذ نفسًا عميقًا وبدأ يسرد حكايته: كنت أبحث على الإنترنت عن معلومات تؤكد أن الحشيش لا يسبب إدمان، وكل ما كنت أراه كان يدعم استخدام الحشيش إذ بحثت عن فوائده فقط، تجاهلت التحذيرات، وبدأت أتعاطى باستمرار، وما بدأ كفضول، تحوّل تدريجيًا إلى اعتماد نفسي ثم جسدي، وبعد عودتي إلى البحرين، ظننت أن الحنين للصحبة هو ما يثقل كاهلي، لكن الحقيقة كانت أبعد من ذلك، بدأت تظهر عليّ أعراض انسحابية، ولم أكن قادرًا على النوم دون أن أتعاطى. ثم جاءت الضربة القاسية، فقد “ب” والده، وكانت الصدمة فوق طاقته النفسية، فاختار الهروب من مشاعره بدلًا من مواجهتها، وقال: كنت أقتل كل مشاعري بالحشيش، لم أكن أريد أن أشعر بشيء، لا الحزن، ولا البكاء، ولا آثار الفقد، بل اختبأت وراء التعاطي والإدمان، ظنًا مني بأنني سأنسى وأقتل مشاعري. واسترسل “ب” في حديثه: لكن بصيص النور بدأ يتسلل من بين الظلام، حين تم استدعائي من قِبل جهة مختصة، وأُدرج اسمي في برنامج “تعافي”، حينها بدأ التحول الجذري في حياتي، بعدما شرحوا لي البرنامج، شعرت كأن شيئًا ثقيلًا أُزيل عن صدري، أقبلت عليه بصدر رحب إلى أن تعافيت، وتحسنت حالتي النفسية والمادية، وقال مندهشًا “كنت أصرف ما يقارب 150 دينارًا شهريًا على المخدرات، واليوم لدي حساب توفير وخطط مستقبلية وطموحات أعمل من أجل تحقيقها”. اليوم، يقف “ب” شاهدًا على أن الخروج من دائرة الإدمان ليس مستحيلًا، موجّهًا رسالته لكل شاب يتردد في اتخاذ القرار “لا تصدقوا الكذبة التي تقول إن الحشيش لا يُسبب الإدمان، كل المواد المخدرة تؤدي إلى الإدمان، وكلها تؤذي النفس والعقل، وطلب المساعدة هو أول خطوة في طريق التعافي؛ لأن وراء كل تعثر، فرصة لبداية جديدة”. اختار التعافي “ج” شاب في مطلع العشرينات، محاط بالأصدقاء، متقد بالحيوية وعاشق للمغامرة والاستكشاف، لكن خلف تلك الصورة المألوفة، كانت بداية رحلة مظلمة لم يخطر بباله يومًا أن تمتد إلى 12 عامًا من الإدمان، أعوام سرقت البهجة والإنجازات من حياته، ولكنه لم يخرج منها خالي الوفاض. بدأ يروي “ج” رحلته، وقال: كل شيء بدأ بدافع الفضول والمغامرة، كانت مجرد “حبّة” في حفل عشاء فاخر، لم أكن أتخيل أن تلك اللحظة العابرة ستتحول إلى بوابة كبيرة تُفتح على مصراعيها نحو عالم أنواع وأشكال مختلفة من المخدرات، ثم نحو الأشد فتكًا: الهيروين. في البداية، كانت مجرد تجربة ممتعة، شعور بالنشوة والانتصار على الذات، لكن سرعان ما تحول الأمر إلى عادة، ثم إلى إدمان لا مفرّ منه. وأردف: لا أُلقي اللوم على أسرتي، بل أنا من كنت أختار السفر أو الانعزال، لم يكن أحد يعلم كيف يسير يومي، بل استطعت أن أخفي آثار التعاطي ببراعة، وعلى رغم ذلك كنت أطلب المال من أهلي بحجج واهية، وكنت أتنقل بين وظائف متقطعة لتوفير مبالغ الهيروين، الذي كلفني أكثر من 500 دينار شهريًا. الأسرة كانت تشعر أن هناك شيئًا غريبًا، لكن لم يكن لديهم الوعي الكافي ليعرفوا أنني مدمن، وبدأت رحلة الصراع الأكبر والهروب من الواقع خوفًا من تشويه صورتي أمامهم. واسترسل في حديثه: لكن كما أن لكل ليل طويل فجرًا، جاء يوم الحسم بعد سنوات من الانهيار الجسدي والنفسي، وبعد أن فقدت الكثير من صحتي وكرامتي وثقتي في نفسي، وجدت نفسي في المستشفى ملقى على الفراش لا أعلم ما يدور من حولي، حتى أخبروني بأنني هنا بسبب جرعة زائدة من الهيروين، واستفقت من غيبوبتي الآن، حينها رأيت المشهد الذي صفعني وأعادني إلى رشدي وصوابي، صياح وعويل أهلي وأقاربي، وعلمهم بما جرى، وخوفهم من فقداني، وأن أصبح في عداد الأموات، حينها قررت أن أتغير. كنت أعلم ببرنامج “تعافي”، وأخذت أولى خطواتي نحو النور، كانت الرحلة صعبة، لكنها لم تكن مستحيلة، بتدرّج، عدت لذاتي، استعدت قوتي، لبناء علاقتي مع عائلتي بشكل أعمق، وتعلمت كيف أواجه الألم بدلًا من أن أهرب منه، واليوم، بعد مرور سنوات على التعافي، أشارككم قصتي لا لأحظى بالشفقة، بل لأكون صوتًا لمن فقدوا أصواتهم في زحام الإدمان. ووجّه “ج” رسالته المباشرة والتوعوية لكل من تسول له نفسه أن يظلمها ويقع في فخ الإدمان: في عالمٍ يزداد فيه الإغراء، والصمت عن الإدمان، يبقى صوت الناجين أمثالنا ضوءًا يُرشد التائهين، ويذكّرنا بأن الرجوع عن الخطأ ليس ضعفًا، بل شجاعة، لذلك لا تُجرّب، ولا تُخاطر، الحياة أثمن من لحظة نشوة زائفة، كن حاضرًا، واعيًا، وابقَ قريبًا ممن يحبونك ويهتمون بك، التعافي ممكن، ولكن الوقاية خير من العلاج.

Articles similaires

Sorry! Image not available at this time

متعافٍ يبوح لـ“البلاد” بتفاصيل مثيرة عن رحلته الصادمة

albiladpress.com - 13/Jul 20:33

الصورة النمطية للمدمن في المجتمع غالبا ما تكون سلبية، بل ظالمة أحيانا؛ إذ يُنظر...

Sorry! Image not available at this time

متعافٍ يبوح لـ“البلاد” بتفاصيل مثيرة عن رحلته الصادمة

albiladpress.com - 13/Jul 20:33

الصورة النمطية للمدمن في المجتمع غالبا ما تكون سلبية، بل ظالمة أحيانا؛ إذ يُنظر...

Sorry! Image not available at this time

ملاذ آمن للتعافي من الإدمان في مجتمع لا يرحم ولا يسامح

albiladpress.com - 05/Jul 19:28

الإدمان عالم سري للغاية، فمن يدخله يعيش في دائرة مغلقة وحياة مليئة بالخوف والرعب...

Sorry! Image not available at this time

ملاذ آمن للتعافي من الإدمان في مجتمع لا يرحم ولا يسامح

albiladpress.com - 05/Jul 19:28

الإدمان عالم سري للغاية، فمن يدخله يعيش في دائرة مغلقة وحياة مليئة بالخوف والرعب...

Sorry! Image not available at this time

تحقيق "البلاد": الوسواس القهري.. وباء صامت يسرق حياتنا

albiladpress.com - 12/Jul 21:48

العزلة الاجتماعية أثر جانبي خفي للطقوس القهرية العلاج السلوكي والدوائي طريق...

Sorry! Image not available at this time

إيلون ماسك: وداعًا لعادات الفشل

albiladpress.com - 11/Jul 21:07

نجاحه بمثابة مصدر إلهام لرواد الأعمال والمبتكرين الطموحين في 28 يونيو، احتفل...

توقعات الأبراج اليوم الخميس 03 يوليو/ تموز 2025

arablifestyle.com - 03/Jul 19:00

قد تمرّ اليوم بلحظة حرج بسيطة ناتجة عن سوء تفاهم مع شخص قريب منك عاطفيًا أو...

Sorry! Image not available at this time

الكاتب توفيقي لـ “البلاد”: تسليط الضوء بمقالاتي على الممارسات الخاطئة لتصحيحها

albiladpress.com - 07/Jul 21:27

أكد الكاتب بصحيفة “البلاد” زهير توفيقي أهمية دور الكاتب في نشر الثقافة...

Sorry! Image not available at this time

عين بوري.. أشهر وأقدم العيون في القرية

albiladpress.com - 04/Jul 21:27

في زاوية منسية من قرية بوري الواقعة في المحافظة الشمالية، وعلى أطراف الديرة...

Sorry! Image not available at this time

عين بوري.. أشهر وأقدم العيون في القرية

albiladpress.com - 04/Jul 21:27

في زاوية منسية من قرية بوري الواقعة في المحافظة الشمالية، وعلى أطراف الديرة...