Maroc - ALBILADPRESS.COM - A la Une - Hier 19:42

مسرحية "ذاكرة صفراء".. عرض سعودي عميق

    تأتي مسرحية "ذاكرة صفراء" لفرقة نورس السعودية من تأليف عباس الحايك وإخراج حسن العلي وتمثيل كميل العلي ومحمد المحسن وفاطمة الجشي وعلي الجلواح. يعتمد العرض على نص مسرحي للكاتب السعودي عباس الحايك الذي يأخذنا إلى حكاية "إنسي"، الفنان التشكيلي الثلاثيني الذي يرحل من بلدته حاملا معه ذكريات مشبعة بالألم، أولها ذلك الأب القاسي الذي يظل يزرع الشك في نفس ابنه وآثار انفجار أودى بحياة والدته وتشوهات جعلته لا يفارق غرفته وعمله في الأرشيف الذي يعمق مفردات تلك العزلة إلا من حكايات تتداعى عن علاقته بحارس العمارة وصديقه وفتاة تزوره بحثًا عن شقيقها الذي يسكن إلى جواره، وأيضًا وصول والده المفاجئ. نص متماسك محكم كلماته تتداعى بإيقاع متنام ومتصاعد مشبع بالنبض والأحاسيس المتفجرة والنقلات التي تعيشها جميع الشخصيات، وأيضًا حالة الثراء والعمق في شخصية "إنسي" والنقلات النوعية في الشخصية حيث العبور من حالة وأخرى عبر لغة ثرية بالمضامين وحوار يعمق الشخصية والحالات التي تعصف بها وأيضًا الالتباسات التي تحيط بها. نص يصلح لكل مكان، وحتمًا سيكون مادة خصبة لصناع المسرح في العالم العربي لما يمثله من مختبر حقيقي للبحث والتحليل والاكتشاف، وهو ليس بالأمر المستغرب على كاتب بمكانة وقيمة الكاتب السعودي عباس الحايك الذي يمثل جيلاً من الرهانات لمستقبل المسرح السعودي والخليجي والعربي. رحلة "إنسي" تظل تتصاعد وتتنامى لتعمق الحالة التي يعيشها والظروف التي تحيط به، وقد استطاع الحايك بذكاء شديد أن يتعامل مع تلك الشخصية والحالات التي تحيط به من خلال حضور لعدد من الشخصيات، بل إنه يذهب إلى بعد إضافي حينما يُدخل شخصية إضافية بالاتفاق مع المخرج والتي تخلق بعدًا إضافيًا يمنح العرض والمشاهد المزيد من الالتباسات والرغبة في البحث لنكتشف أن كل تلك الشخصيات والأحداث ما هي إلا تخيلات في رأس "إنسي"، وهي نتيجة حتمية لويلات الحروب وسطوة الأب ونظرة المجتمع. كتابة ذكية لنص يبدو للوهلة الأولى بسيطًا وسرعان ما يُورِّطُك في لعبة المشاهدة والبحث والاكتشاف. في العرض حضور عال الكعب للفنان السعودي الشاب كميل العلي الذي استطاع أن يمنح الشخصية أسلوبها ونظامها وأبعادها وقلقها وحيرتها ودهشتها وقبل كل ذلك حالة البوح المتفجر عبر مجموعة من التعابير التي اشتغل عليها كميل عبر الجسد تارة ومن خلال الإلقاء تارات عدة. أداء فياض بالأحاسيس والألم. ولا بد أن نتوقف عند بقية عناصر العرض من الممثلين ونخص الفنان الشاب محمد المحسن الذي منح الشخصية فضاءً عالٍ من العفوية التي راح يمزج من خلالها الكثير من المفردات والتعابير المحلية الدارجة التي تستحوذ على الاهتمام وفي الحين ذاته ظلت في إطار العمل. المخرج حسن العلي مخرج يمتلك أدواته واشتغالاته في استخدام مساحة المسرح وتقديم حلول في التشكيلات والحركة وأيضًا الإضاءة والسينوغرافيا عبر استخدام اللوحات تارة والإضاءة مرات متعددة. حسن العلي في مسرحية "ذاكرة صفراء" مخرج يذهب بعيدًا في خلق الحلول البصرية والتي تعتمد على حركة الممثلين وتشكيل تكوينات استثمر من خلالها اللياقة العالية لشقيقه الفنان المتجدد كميل العلي. وحتى لا نطيل، "الذاكرة الصفراء" خطوة إضافية في رصيد المسرح السعودي ومنطقة عامرة بالبحث والاشتغال على صعيد النص والتمثيل والإخراج.