Maroc - ALBILADPRESS.COM - A la Une - 25/Jan 22:46

هل يشكل الانسحاب الأمريكي فرصة لإصلاح منظمة الصحة العالمية؟

يشكّل الانسحاب المعلن للولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية نقطة تحول كبرى في المشهد الصحي العالمي، نظرًا للدور المحوري الذي تلعبه الولايات المتحدة كأحد أكبر المساهمين في ميزانية المنظمة.  وتدفع هذه الخطوة المنظمة إلى مراجعة استراتيجيتها المالية واتخاذ تدابير لتقليص النفقات، ما قد يُحدث تغييرًا جذريًا في طريقة عملها وتأثيرها على الصحة العالمية. إيجابيات القرار من زاوية معينة، يمكن النظر إلى القرار الأمريكي على أنه فرصة لإصلاح المنظمة. فقد وجّهت الولايات المتحدة انتقادات للمنظمة بشأن إدارة الأزمات الصحية العالمية، مثل جائحة كوفيد-19، مشيرة إلى ضعف الاستجابة والتباطؤ في التعامل مع الجائحة.  الانسحاب قد يشكل ضغطًا على المنظمة لإجراء إصلاحات داخلية تركز على الشفافية والمساءلة وتحسين كفاءتها في إدارة الأزمات.  بالإضافة إلى ذلك، قد يدفع القرار الدول الأخرى لتحمل مسؤولية أكبر في تمويل المنظمة وتعزيز استقلاليتها، مما يقلل من اعتمادها على دولة واحدة. السلبيات  على الجانب الآخر، يُنذر القرار بعواقب سلبية واسعة. أولاً، يشكل انسحاب الولايات المتحدة ثغرة مالية كبيرة، كونها المساهم الأكبر في ميزانية المنظمة بنسبة تُقدّر بحوالي 15%. هذا النقص قد يؤدي إلى تقليص برامج حيوية، مثل حملات مكافحة الأمراض المعدية والتطعيمات وبرامج الصحة في الدول النامية.  ثانيًا، يؤثر الانسحاب سلبًا على التعاون الدولي، حيث إن منظمة الصحة العالمية تعد منصة رئيسية لتنسيق الجهود العالمية في مواجهة التحديات الصحية العابرة للحدود، مثل الأوبئة والتغير المناخي.  كما أن انسحاب دولة بحجم الولايات المتحدة قد يشجع دولًا أخرى على تقليل مساهماتها أو الانسحاب. تأثير القرار  دول الخليج، ومنها البحرين، قد تواجه تحديات مباشرة وغير مباشرة جراء القرار الأمريكي.  تعتمد بعض البرامج الصحية في دول المنطقة على شراكات دولية تشمل منظمة الصحة العالمية، مثل المبادرات المتعلقة بالأمراض المزمنة والتغير المناخي وبرامج الطوارئ الصحية.  البحرين تحديدًا، التي تعتمد على التعاون الدولي في تعزيز برامج الصحة العامة، قد تجد نفسها في موقف يتطلب زيادة الاعتماد على القدرات الذاتية أو التعاون الثنائي مع دول أخرى لتعويض النقص.  مع ذلك، فإن البحرين، بفضل استثماراتها في القطاع الصحي وتقدمها في التكنولوجيا الطبية، قد تكون في وضع أفضل لمواجهة تأثيرات الانسحاب مقارنة ببعض الدول الأخرى. تاريخيًا، هناك أمثلة على منظمات دولية انضمت إليها دول الخليج بينما لم تنضم إليها الولايات المتحدة أو انسحبت منها. على سبيل المثال، انضمت دول الخليج إلى المحكمة الجنائية الدولية التي لم تنضم لها الولايات المتحدة بسبب اعتراضات سياسية وقانونية.  كما انسحبت الولايات المتحدة سابقًا من اتفاقية باريس للمناخ، رغم عضوية جميع دول الخليج فيها، باستثناء الكويت التي انضمت لاحقًا بشروط. تشارك دول الخليج أيضًا في منظمة أوبك (OPEC) التي تُعتبر من أبرز المنظمات المؤثرة في الاقتصاد العالمي، بينما لا تشارك الولايات المتحدة فيها نظرًا لطبيعة سياستها في قطاع الطاقة.  هذه الأمثلة تُبرز اختلافات في أولويات الدول الخليجية والأمريكية على الساحة الدولية، والتي قد تؤدي إلى استمرار التعاون الخليجي في منظمات دولية حتى في غياب الولايات المتحدة. آفاق المستقبل رغم الانسحاب الأمريكي، فإن الفرصة سانحة أمام دول الخليج لتعزيز دورها داخل منظمة الصحة العالمية والمساهمة في سد النقص المالي.  من جهة أخرى، فإن القرار الأمريكي يشير إلى أهمية إعادة التفكير في كيفية تمويل المنظمات الدولية وضمان استدامتها المالية بعيدًا عن الاعتماد الكبير على مساهمات الدول الكبرى.  وقد يشجع ذلك ظهور أنماط جديدة من التعاون الإقليمي والدولي، تشمل الدول النامية والدول الغنية، بهدف تعزيز التعاون الصحي العالمي وضمان استمرارية البرامج الحيوية التي تؤثر في حياة الملايين حول العالم. في المحصلة، يمثل الانسحاب الأمريكي من منظمة الصحة العالمية تحديًا كبيرًا، لكنه أيضًا فرصة لإعادة صياغة قواعد التعاون الدولي وضمان استدامة المؤسسات الصحية العالمية على المدى البعيد.