Maroc - ALBILADPRESS.COM - A la Une - 26/Jun 23:19

“التمييـز” ترسي مبدأ قضائيا ببطلان عقد بيع الوفاء

أصدرت محكمة التمييز بتاريخ 25 يونيو 2024 قرارا في غرفة المشورة، بعدم قبول الطعن المقدم طعنا على حكم محكمة الاستئناف العليا المدنية، والذي كان يقضي بإلغاء حكم محكمة أول درجة والقضاء مجددا ببطلان عقد البيع؛ لكونه من قبيل بيع الوفاء وإلغاء الوثيقة العقارية وجميع ما ترتب عليها من آثار. وتعود تفاصيل القضية بحسب ما أفادت المحامية رباب العريض بصفتها وكيلة المدعى، إلى أن موكلها أقام الدعوى ضد المدعى عليه الأول والمدعى عليه الثاني (جهاز المساحة والتسجيل العقاري)، ومذيلة بطلب الحكم ببطلان عقد البيع الموثق والمؤرخ بتاريخ 16 فبراير 2022، وإلزام المدعى عليه الأول بتسليمه عقار التداعي خاليا من الشواغل، مع أحقية المدعى عليه الأول في استرداد المتبقي من ثمن ذلك العقار بمقدار 3076728 دينارا، وإلزام الجهاز المدعى عليه الثاني بإثبات ذلك في سجلاته، وإصدار وثيقة ملكية بخصوص العقار المشار إليه باسمه وتسليمها إليه. وقال المدعي في بيان ذلك إنه ولكونه مدينا للبنك وخضوع عدد من عقاراته للرهن لصالحه وشروعه في اتخاذ إجراءات التنفيذ ضده، تم بتاريخ 20 أكتوبر‏‏2021 إبرام اتفاق تسوية ثلاثي الأطراف فيما بينه والبنك والمدعى عليه الأول، تضمن التزامه ببيع 12 عقارا للمدعى عليه الأول، الذي بدوره يقوم بدفع جزء من ثمن المبيع وقدره 8 ملايين و500 ألف دينار نيابة عنه للبنك؛ لتسوية المديونية المشغولة بها ذمته، على أن يعقبها قيام ذلك البنك بشطب الرهن؛ حتى يتسنى له نقل ملكية المبيع للمدعى عليه الأول. ونفاذا لما سلف، تم إبرام عقد بتاريخ 24 يناير ‏‏2022، موضوعه بيعه للمدعى عليه الأول 12عقارا ومن بينها عقار التداعي، والذي تم تقدير ثمنه بمبلغ 4 ملايين و376 ألفا و728 دينارا، وبتاريخ 26 يناير 2022 تم إبرام ملحق للعقد الأخير فيما بينه وبين المدعى عليه الأول، تضمن اتفاقهما على استثناء عقار التداعي من الاتفاق المشار إليه واحتفاظه بحق شرائه بمدة أقصاها 31 أغسطس ‏‏2026 بثمن قدره 5 ملايين دينار مضافا إليه نسبة 30 % مرابحة، وبإجمالي مبلغ 6 ملايين و500 ألف دينار يسدد على 5 أقساط. وبتاريخ 16 فبراير ‏‏2022، تم إبرام عقد بيع تضمن بيعه للمدعى عليه الأول عقار التداعي لقاء المبلغ المقدر سلفا، وهو 4 ملايين و376 ألفا و728 دينارا، وعلى إثره قام المدعى عليه الأول بنقل ملكية عقار التداعي إليه، وبتاريخ 1 مارس ‏‏2022، تم إبرام ملحق رقم 2 للعقد الأخير فيما بينه وبين المدعى عليه الأول، تضمن تأكيد احتفاظه بحق شراء عقار التداعي بمبلغ 6500000 دينار بالمدة سالفة البيان. ولما كان ما تقدم، وكان قد طلب من المدعى عليه الأول استرداد عقار التداعي وأودع في حسابه لدى البنك بتاريخ 9 يناير ‏‏2023 مقدم ثمن الشراء وقدره مليون و300 ألف دينار، إلا أنه فوجئ برفض المدعى عليه الأول تنفيذ المتفق عليه، بل وقام بتغيير كل من رقم العقار ورقم الوثيقة، فأقام ضده دعوى بتاريخ 15 يناير 2023 بطلب إلزامه بتحرير عقد بيع متضمن ما تم الاتفاق عليه على نحو ما سلف، وصدر فيها حكما بوقفها تعليقا لحين الفصل في الدعوى الراهنة. ولما كان ذلك، وكان المدعى عليه الأول قد استغل حاجته الملحة للمال لسداد مديونيته لصالح البنك السالف والتصالح في الدعاوى الجنائية الصادر فيها أحكاما بحبسه وقام بشراء عقار التداعي، وهو ثمن بخس مقارنة بسعره السوقي وقت البيع واشتراطه استرداده بمبلغ 6500000 دينار بمدة محددة، وهو ما يمثل إحدى صور الغبن الفاحش الذي يكون معه عقد البيع المؤرخ في 16 فبراير ‏‏2022 باطلا، ويستوجب إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل التعاقد، بأن يرد المدعى عليه الأول عقار التداعي مع التزامه برد الثمن المدفوع مخصوما منه مبلغ المقدم المشار إليه وقدره مليون و300 ألف دينار، وإلزام الجهاز المدعى عليه الثاني بإثبات ذلك في سجلاته، وإصدار وثيقة ملكية باسمه وتسليمها إليه، وبجلسة 25 مايو ‏‏2023 قضت محكمة أول درجة برفض الدعوى.  فطعنت عليه بالاستئناف على سبب وحيد، حاصله مخالفة الحكم المستأنف القانون والخطأ في تطبيقه والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق، وذلك من 3 أوجه، حاصل الأول منها أن حقيقة البيع محل العقد المؤرخ بـ 16 فبراير ‏‏2022 هو بيع وفاء، إذ اتفق المستأنف البائع مع المستأنف ضده الأول المشتري على احتفاظه بحق استرداد المبيع بثمن يزيد على ثمن بيعه له بمدة معينة، وهو ما يكون معه الفارق بين الثمنين ربًا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية، ومن ثم يكون العقد باطلا، ما يتعين معه إعادة الحال إلى ما كان عليه.  وقضت محكمة الاستئناف العليا المدنية بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء مجددا ببطلان عقد البيع الموثق والمؤرخ بـ 16 فبراير ‏‏2022، وإلزام المستأنف ضده الأول بتسليم عقار التداعي للمستأنف، وإلزام الجهاز المستأنف ضده الثاني بإثبات بطلان ذلك العقد في سجلاته، وإصدار وثيقة ملكية بخصوص عقار التداعي المشار إليه باسم المستأنف عن نفسه وبصفته للشركة، وألزمت المستأنف ضده الأول الرسوم والمصاريف عن الدرجتين. وقالت المحكمة في أسباب حكمها إن من المقرر في قضاء التمييز أن بيع الوفاء هو البيع الذي يخفي به المتعاقدان تصرفا قانونيا آخر، يكون في الغالب غير مشروع، كقرض بربا فاحش، فيجعلان البيع ستارا، ولا يكشفان عن التصرف الحقيقي صراحة، ومن أمثلته أن يبيع المدين لدائنه عينا بيعا وفائيا، ثم يستأجرها منه ويدفع له أجرة تكون هي الربا الفاحش، أو يشترط المشتري على دائنه البائع إذا أراد استرداد العين أن يدفع له ثمنا يكون أكثر من الثمن الذي قبضه، والفرق بين الثمنين يكون هو الربا. وقد خلا القانون المدني البحريني من تنظيم هذا البيع خلافا للتشريعات المقارنة، والتي تكاد تجمع على بطلانه، ومن ثم فإنه يخضع طبقا لنص الفقرة الثانية من المادة الأولى من هذا القانون لأحكام الشريعة الإسلامية، إذ خلت الأوراق مما يفيد بوجود عرف به، ويكاد يجمع الفقه الإسلامي على كون هذا البيع فاسدا لا يرتب أثرا. وإنه هديا على ما تقدم، ولما كان البين من مطالعة عقد البيع الموثق والمؤرخ بـ 16 فبراير ‏‏2022 المرفقة صورته أنه تضمن بيع المستأنف للمستأنف ضده الأول قطعة الأرض نظير مبلغ 4 ملايين و376 ألفا و728 دينارا تم دفعه خارج مجلس العقد، وكان الثابت من مطالعة الملحق رقم 2 للعقد السالف والمؤرخ بـ 1 مارس ‏‏2022 اتفاق سالفي الذكر على اعتبار ذلك الملحق جزءا لا يتجزأ من عقد البيع المشار إليه، وأنه يحق للمستأنف استرداد المبيع المشار إليه بمدة أقصاها 31 أغسطس ‏‏2026 بمبلغ 6 ملايين و500 ألف دينار تسدد على 5 أقساط، ما مفاده ومن مجموع العقد والملحق السالفين واللذين يشكلان وحدة واحدة لا تنفكان، اشتراط المستأنف ضده الأول المشتري على دائنه المستأنف البائع، إذا أراد الاحتفاظ لنفسه بحق استرداد العين المبيعة، أن يدفع له ثمنا أكثر من الثمن الذي قبضه خلال مدة محددة، وهو ما تستخلص معه المحكمة أن هذا البيع بيع وفاء، وأن الفرق بين الثمنين ربا، وهو ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية، ويترتب على ما سلف بطلان عقد البيع المؤرخ 16 فبراير 2022 ودون حاجة إلى إثبات أنه يخفي رهنا أو قرضا أو غيرهما. ولما كان ذلك، وكانت أحكام الشريعة الإسلامية تتعلق بالنظام العام ومن ثم لا يجوز إجازة ما يخالفها، وهو ما يترتب عليه أن دفع المستأنف مبلغ كمقدم لإعادة المبيع إليه شراء أو إقامته الدعوى رقم 609 لسنة 2023 بطلب إلزام المستأنف ضده الأول بتحرير عقد بخصوص ما تم الاتفاق عليه في شأن عقار التداعي لا يعتد به بالنظر إلى بطلان العقد الموثق والمؤرخ بـ 16 فبراير ‏‏2022 بطلانا متعلقا بالنظام العام، وهو البطلان الذي ينسحب ليشمل جميع الإجراءات المترتبة على ذلك العقد، سواء تم تسجيلها من عدمه. وكان من أثر بطلان العقد السالف إعادة الحال إلى ما كانت عليه، ومن ثم يلتزم المستأنف ضده الأول برد عقار التداعي للمستأنف، والتزام الأخير برد الثمن الذي تسلمه وفقا للثابت بذلك العقد، على أن يخصم منه المبلغ المسدد وقدره مليون و300 ألف دينار، والذي لا يجادل المستأنف ضده الأول في دخوله حسابه البنكي وفقا للثابت بالإيصال الصادر من البنك، ليكون إجمالي المبلغ الواجب على المستأنف رده للمستأنف ضده الأول 3 ملايين و76 ألفا و728 دينارا، وكان الثابت أن عقار التداعي تم تسجيله لدى الجهاز المستأنف ضده الثاني باسم المستأنف ضده الأول بموجب الوثيقة، فإنه يتعين إلزام الجهاز المشار إليه وكأثر لما تقدم بإثبات بطلان عقد البيع الموثق والمؤرخ بـ 16 فبراير 2022 في سجلاته، وإصدار وثيقة ملكية جديدة بخصوص عقار التداعي المشار إليه باسم المستأنف عن نفسه وبصفته ممثلا عن الشركة وتسليمها إليه. فطعن طرفا الخصومة على الحكم أمام محكمة التمييز، وبتاريخ 25 يونيو ‏‏2024 قضت محكمة التمييز بعدم قبول الطعنين، وأصبح حكم بطلان البيع باتا لكونه من قبيل بيع الوفاء.