Maroc - ALBILADPRESS.COM - A la Une - 28/Sep 20:31

كرسي الملك حمد للحوار يفتح آفاق التعايش العالمي

يمثل تدشين “كرسي الملك حمد للحوار بين الأديان والتعايش السلمي” في جامعة سابينزا بالعاصمة الإيطالية روما، في الخامس من نوفمبر 2018، لحظة فارقة في مسيرة البحرين الحضارية، ورسالة عالمية تنطلق من قلب أوروبا لتؤكد أن الحوار هو السبيل الأسمى للتفاهم بين الشعوب، وأن التعليم هو الأداة الأنجع لترسيخ قيم التسامح والتعايش في عالم تتزايد فيه التحديات الفكرية والثقافية والدينية. في قاعة “بالاتسو ديل ريتوراتو” العريقة، اجتمع أكاديميون ودبلوماسيون ومفكرون من مختلف أنحاء العالم ليشهدوا لحظة تدشين الكرسي الذي يحمل اسم ملك البلاد المعظم صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة،  والذي أنشئ ليكون منبرًا أكاديميًا يعزز الحوار بين الأديان ويكافح التطرف من خلال المعرفة. وقد افتتح الحفل بكلمات ترحيبية من رئيس الجامعة البروفيسور يوغينيو غاوديو، تلاها حضور رسمي مثّل جلالة الملك، جسّد التزام البحرين بنقل تجربتها في التعايش إلى الساحة الدولية. رؤية جلالة الملك المعظم في هذا السياق ليست وليدة اللحظة، بل هي امتداد لفلسفة قيادية تؤمن بأن “الجهل هو عدو السلام”، كما عبّر عنها جلالته في إحدى المناسبات، حيث قال: “فإن واجبنا هو أن نتعلم، ونتشارك، ونعيش معًا”. هذه العبارة لم تكن مجرد شعار، بل تحولت إلى منهج تعليمي وأكاديمي تتبناه واحدة من أعرق الجامعات الأوروبية، جامعة سابينزا التي تأسست عام 1303، وتضم أكثر من 120 ألف طالب من مختلف الجنسيات. الكرسي الأكاديمي لا يقتصر على كونه مشروعًا تعليميًا، بل هو منصة فكرية متعددة الأبعاد، تهدف إلى بناء جسور التواصل بين أتباع الديانات المختلفة، وتعزيز ثقافة الحوار كقيمة إنسانية مشتركة. ويضم الكرسي ثلاث مستويات تعليمية: البكالوريوس في التاريخ والعلوم الاجتماعية والأديان، والماجستير في دراسات الأديان، والدكتوراه في الأديان والتأملات الثقافية، مما يعكس الإقبال الكبير على هذا التخصص الحيوي في ظل التحديات العالمية الراهنة. وقد عبّر البروفيسور أليساندرو ساجيورو، أستاذ الكرسي، عن أهمية هذه المبادرة بقوله: “إن تدشين هذا الكرسي في جامعة سابينزا هو دعوة مفتوحة للعالم كي يعيد التفكير في العلاقة بين الدين والثقافة، ويجعل من الحوار وسيلة للسلام لا ساحة للصراع”. وأضاف أن “الكرسي يهدف إلى إشراك الأجيال الجديدة في سياسة المعرفة والعلاقات بين الثقافات والأديان، كوسيلة لمواجهة التطرف والراديكالية”. من جهته، وصف رئيس مؤسسة “فونداتسيوني ميديتيرانيّو”، التي شاركت في الحفل، المبادرة بأنها “نقطة تحول في الشراكة بين أوروبا والعالم الإسلامي”، مشيرًا إلى أن “هذا الكرسي يشكل مرجعية لتحفيز أشكال جديدة من التعاون بين ضفتي المتوسط، ويعزز من قيم الحوار والتفاهم المشترك”. لم يكن لهذا الحدث أن يمر دون أن يترك أثرًا دبلوماسيًا واضحًا، فقد اعتبر مراقبون في الأوساط الأكاديمية والسياسية الإيطالية أن تدشين الكرسي يمثل خطوة استراتيجية في تعزيز العلاقات بين البحرين وإيطاليا، ليس فقط على المستوى الثقافي، بل أيضًا في إطار التعاون السياسي والديني. وقد عبّر رئيس البرلمان الإيطالي لورينزو فونتانا عن تقديره لدور البحرين في “تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات”، مؤكدًا أن “المبادرات البحرينية مثل كرسي الملك حمد تساهم في بناء جسور الثقة بين الشعوب”. كما أن اللقاءات التي جمعت جلالة الملك المعظم مع الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا، ورئيسة الوزراء جورجيا ميلوني، خلال زيارات رسمية متزامنة، أكدت على أهمية هذه المبادرة في توطيد العلاقات الثنائية، حيث تم بحث سبل التعاون في مجالات التعليم والثقافة والدين، بما يخدم المصالح المشتركة ويعزز من مكانة البحرين كدولة رائدة في نشر قيم السلام والتسامح. إن تدشين “كرسي الملك حمد للحوار بين الأديان والتعايش السلمي” في جامعة سابينزا بروما، هو تجسيد حي لرؤية ملكية تؤمن بأن السلام يبدأ من الفهم، وأن الحوار هو جسر الإنسانية، وأن البحرين، رغم صغر حجمها الجغرافي، قادرة على أن تكون كبيرة في تأثيرها الحضاري والإنساني. هذه المبادرة لا تعكس فقط التزام البحرين بقيم التعايش، بل تضعها في قلب الحراك العالمي نحو عالم أكثر فهمًا وتسامحًا، وتفتح آفاقًا جديدة للتعاون بين الشرق والغرب، بين البحرين وإيطاليا، وبين الإنسان وأخيه الإنسان.