Maroc - FW4N.COM - Ala Une - 06/Nov 12:22

دفاعاً عن عرش الإبداع البشري: الذكاء الاصطناعي.. الأداة لا المُؤلِّف

دفاعاً عن عرش الإبداع البشري: الذكاء الاصطناعي.. الأداة لا المُؤلِّف دفاعاً عن عرش الإبداع البشري: الذكاء الاصطناعي.. الأداة لا المُؤلِّف ​بقلم: حسن غريب أحمد ناقد شاعر روائي ​في ظلّ الموجة الطوفانية لثورة الذكاء الاصطناعي (AI)، ومع تصاعد الضجيج حول قدراته التوليدية، بدأت تتسلل إلينا سرديات خطيرة تزعم أن هذه الآلة أصبحت قادرة على منازعة العقل البشري المبدع في صميم العملية الفكرية والأدبية. يروّج البعض – بسذاجة أو جهل بمكامن الإبداع – لفكرة أن الذكاء الاصطناعي يمكنه أن “يؤلّف” قصة متكاملة، “يكتب” قصيدة مؤثرة، أو حتى “يُدلي” بنقد معمق أو “يشهد” على حقيقة. ​هذا التضخيم لدور الأداة هو في حقيقته إساءة بالغة بحقّ الإبداع والمبدعين، وتهديد لقيمة العمل الفكري والأدبي. إن دفاعنا هنا هو تأكيد لا لبس فيه على أنَّ الذكاء الاصطناعي، مهما تطوّر، يبقى مجرد أداة حاسوبية قوية، لا يمكنها أن تلامس جوهر التأليف والمداخلة والشهادة الإنسانية. ​جوهر الإبداع: الخبرة، الشعور، والوعي الذاتي: ​إن الأنشطة الإبداعية التي نمارسها — سواء كانت تأليف رواية، أو كتابة قصيدة، أو صياغة بحث، أو حتى التعليق النقدي على عمل فني — تتطلب مكونات أساسية لا يمكن للخوارزميات امتلاكها: ​1. التجربة الإنسانية المُرَكَّبة ​إنَّ العمل الأدبي والفني ليس مجرد تجميع للكلمات؛ إنه نتاج تجربة عاطفية، ووعي وجودي، وتراكم معرفي حيّ عاشه المؤلف. القصة تحتاج إلى الشعور بالألم، الفرح، الخيبة، والغفران؛ وهي مشاعر لا تستطيع نماذج اللغة الكبيرة محاكاتها. الذكاء الاصطناعي يعمل بـ”الكمّ” عبر تجميع الأنماط والجمل من مليارات النصوص السابقة، ولكنه لا “يعيش” كي يعبّر. النص الناتج قد يكون متقناً، ولكنه بارد؛ كدمية جميلة الشكل لكنها خالية من الروح. ​2. القصد الفاعل والوعي الذاتي ​الكاتب أو الناقد يمتلك قصداً واعياً وهدفاً ذاتياً من وراء عمله: نقل رسالة، التعبير عن رؤية فلسفية، إثارة جدل، أو مجرد التنفيس. هذا القصد هو محرك الإبداع الأصيل. في المقابل، يعمل الذكاء الاصطناعي بناءً على التوقع الإحصائي للكلمة التالية، بناءً على البيانات التي دُرِّب عليها. هو لا “يعرف” ما يكتب، ولا “يهدف” إليه. النص يتولد بفعل معادلات رياضية، وليس بفعل إرادة فكرية أو عاطفية. ​3. الأصالة وكسر القواعد ​الإبداع البشري يزدهر في الخروج عن المألوف، وكسر القواعد الفنية واللغوية المتعارف عليها، وتقديم رؤى جديدة وغير مسبوقة. أما الذكاء الاصطناعي، فهو في جوهره برنامج للمحاكاة والتوليد يعتمد على تجميع وإعادة ترتيب الأنماط الموجودة. أي “إبداع” يقدّمه هو إعادة تدوير متطورة، وليس خلقاً من العدم أو رؤية شخصية متفردة لم تطأها قدم من قبل. ​”الشهادة” و”البحث”: الأخلاق والمسؤولية الضائعة ​في مجالات مثل البحث العلمي أو الشهادة على واقعة، يزداد الأمر خطورة، حيث يرتبط العمل هنا بالمسؤولية والأخلاق: ​البحث العلمي: يتطلب منهجية نقدية صارمة، وفحصاً دقيقاً للمصادر، والتزاماً أخلاقياً بالنزاهة في النتائج والاستنتاجات. الآلة قد ترتكب ما يُعرف بـ “الهلوسات” (Hallucinations)، أي اختلاق معلومات أو مصادر غير موجودة بثقة تامة. والأهم من ذلك، المُساءَل عن هذه الأخطاء هو الباحث البشري، لأن الآلة لا تتحمل المسؤولية القانونية أو الأخلاقية. ​الشهادة والمداخلة النقدية: تتطلبان حدساً نقدياً، وذوقاً فنياً، وضميراً حاضراً يُميّز بين الصواب والخطأ، والجميل والقبيح. هذه كلها مفاهيم غائبة تماماً عن الوجود المادي للآلة. ​ رسالة للمبدعين: أنتم أصحاب العرش: ​يجب أن نُعيد وضع الذكاء الاصطناعي في مكانه الصحيح: هو مُساعد ذكي ومُسرِّع لعمليات الصياغة والتحليل، ولكنه ليس مصدر الإبداع الأصيل على الإطلاق. يمكنه أن يكتب مسودة، لكن اللمسة الأخيرة، التعديل النقدي، الحقن بالروح والعاطفة، والإقرار بالمسؤولية تظل حكراً على المؤلف البشري. ​إلى كل مؤلِّف، روائي، شاعر، وناقد: عملكم يبقى هو الأصيل والفريد. إنَّ بصمتكم العاطفية والفكرية التي طُبعت في نصوصكم لا يمكن لآلة أن تحاكيها. نحن ندفع اليوم ثمن انخداع بعض الأفراد ببراعة الأداة السطحية، والواجب علينا أن ندافع بشدة عن قدسية الإبداع البشري والاحتفاء به، ووضع الآلة في خانة المُعين والمساعِد، وليس المنافس أو البَديل. الإبداع الحقيقي لا يُبرمج، بل يُعاش ويُولَد.