Maroc - ALITTIHAD.AE - عربي وعالمي - 15/Feb 21:20

«ابتعد قليلا».. المسافات تصنع السعادة

أبوظبي (الاتحاد)«في إحدى الليالي، شعر العملاق بالحزن وثقلت عليه العزلة. فجأة بدا له المنزل فسيحاً وواسعاً جداً، حتى بالنسبة إلى عملاق مثله، فحمل العملاق بيته على كتفيه وسار صوب المدينة»، تستعرض القصة الواردة في كتاب «ابتعد قليلاً.. من قصص الأطفال الإيطالية»، موضوع التعايش مع الآخرين، والكتاب صادر عن مشروع كلمة للترجمة بمركز أبوظبي للغة العربية، وهو من تأليف بينا إيراتشه، رسوم فيرونيكا روفاتو، وترجمة د. نجلاء والي.كما تتناول القصة الاختلاف بين الأقوال والأفعال، وذلك من خلال العملاق الذي يسكن الغابة المتاخمة للمدينة، والذي كان أهل المدينة يحتفون به بشكل مبالغ فيه، فيتحدثون عنه في البرامج التليفزيونية ويكتبون عنه في الصحف، ويطلقون اسمه على المطاعم والمقاهي والساحات والشوارع بالمدينة. على الرغم من أنه لم يحظ أحدهم برؤيته، وأقصى ما أتيح لهم هو رؤية ظله من خلف ستائر بيته الكبير في الغابة.وأولى القضايا التي طرحتها القصة، هي قضية اختبار صدق الآخرين، فقد أراد العملاق أن يختبر صدق أهل المدينة في حبهم له والإعجاب به، وكان واثقاً من أنهم سينجحون في هذا الاختبار، فجميع القرائن تدل على ذلك، فالمدينة بأكملها تسمى مدينة العملاق، ولا حديث على ألسنة الناس سوى عن العملاق. فقرر العملاق أن ينقل بيته الكبير إلى ساحة المدينة المسماة باسمه، ظناً منه أنهم سيرحبون بذلك ويحبونه، ولكنه اصطدم بما لم يسره، فبمجرد أن نقل بيته إلى الساحة، بدأ الناس يتضايقون منه، لأنه غيّر عاداتهم اليومية وانتهك خصوصيتهم، فأخذ جزءاً من ساحة انتظار السيارات، وجزءاً من حديقة المدينة التي يتنزه بها أهل المدينة، وجزءاً من الشارع الذي يمرون به، فبدأ الناس يتذمرون ويطلبون منه أن يبتعد قليلاً، رغم أن العملاق كان يذكرهم بفكرتهم عنه بقوله: «أنا عملاق المدينة، أنا الذي تتحدثون عنه في التليفزيون، وتكتبون عنه في الصحف، وعلى لافتات الطرق، في واقع الأمر كنت أشعر بالوحدة قليلاً»، ولكنهم كانوا يصدمونه بردود أفعالهم، يقولون له: «أنت تشغل حيزاً كبيراً، أنت متطفل بعض الشيء، ابتعد قليلاً».  وبالفعل كان العملاق يستجيب لرغباتهم ويبتعد، وظلت طلباتهم له بالابتعاد تتزايد، حتى وجد نفسه قد عاد لمكانه الأول في الغابة. كانت تجربة قاسية على العملاق، فأخذ يتساءل في نفسه: لماذا لا يفسح الناس لبعضهم البعض؟ لماذا يقول الناس عكس ما يفعلون؟وهكذا قرر العملاق أن يعود لسيرته الأولى ويظل بعيداً عن أعين الناس ولا يضايقهم في مدينتهم، وظل يجول بين الجبال والبحار والأنهار والغابات، ولا يستقر في مكان حتى يفسح للناس ليعيشوا سعداء.تؤكد القصة على عدد من أساليب التعامل بين الناس، ومن أهمها ألا يبني الإنسان تصوره ورأيه عن أحد بمجرد السماع والمشاهدة فقط، بل عليه أن يتعامل معه بشكل مباشر حتى يبني تصوراً سليماً، يدعمه بالأدلة والمواقف. كما أن الإنسان عليه أن يحب الخير لنفسه وللناس أيضاً، وأن يمنح مَن حوله مساحتهم ويأخذ مساحته، لأن ذلك يدعم نجاح الفرد ويدعم نجاح من حوله، كما أن ترك مسافة بيننا وبين الآخرين، تساهم في الحفاظ على الخصوصية والحرية. وألا يعطي الإنسان الأمور أكبر من حجمها ويضخمها، أو يبالغ في ذلك، وألا يغتر بالمدح أو يحزن من الذم، حتى لا يصطدم بخلاف ذلك، كما حدث للعملاق عندما قرر الاختلاط بأهل المدينة، الذين كانوا لا يملون من الحديث عنه وتمجيده.لقد نجحت الكاتبة في إيصال فكرتها بشكل متميز وبسيط، وأحسنت اختيار الجمل والتي نجحت المترجمة في نقلها بحرفية، كما أن الرسوم المصاحبة للقصة كانت معبرة وتتحدث من دون كلمات، ونقلت مشاعر العملاق وتعابير وجهه وردود أفعال أهل المدينة بشكل جيد.القصة تحوي الكثير من القيم التي يمكن تربية الأطفال عليها، حتى ينجحوا في التعايش مع أقرانهم، سواء في المنزل أو المدرسة أو العمل بعد ذلك. وسيستمتع الأطفال باللوحات المرافقة لأحداث القصة كثيراً، والمتسلسلة بشكل جميل يعبر عن الفكرة ومجريات القصة، بشكل أشبه بالرسوم المتحركة.