Maroc - ALBILADPRESS.COM - A la Une - 01/Nov 05:15

مدينة نسِبار البلغارية: لؤلؤة البحر الأسود الخالدة

على الساحل الغربي للبحر الأسود، تقع مدينة نسِبار (Nessebar) البلغارية، واحدة من أقدم وأجمل المدن في أوروبا الشرقية، التي تحمل بين أزقتها الضيقة عبق التاريخ وهدوء البحر معًا. تعتبر نسِبار من المدن القليلة التي استطاعت الحفاظ على طابعها التاريخي رغم مرور القرون، حتى أنها أدرجت على قائمة التراث العالمي لليونسكو عام 1983، تقديرًا لقيمتها الثقافية والمعمارية الفريدة. تمتد المدينة القديمة على شبه جزيرة صغيرة متصلة بالبر الرئيسي عبر جسر ضيق، لتمنح زائريها تجربة تجمع بين الحاضر والماضي في أجواء لا تُنسى. تاريخ عريق محفور في الحجر تُعرف نسِبار باسم “مدينة الأربعين كنيسة”، إذ تضم عددًا مذهلًا من الكنائس البيزنطية التي تعود إلى القرنين الحادي عشر والرابع عشر، كثير منها لا يزال قائمًا بشكل رائع رغم مرور الزمن. من أبرزها كنيسة القديس يوحنا المعمدان وكنيسة المسيح بانتوكراتور، اللتان تعكسان روعة الفسيفساء والزخارف الحجرية التي تميز الفن البيزنطي. يعود تاريخ المدينة إلى أكثر من ثلاثة آلاف عام، حين أسسها التراقيون باسم “مينيبريا”، ثم تحولت لاحقًا إلى مستعمرة إغريقية قبل أن تقع تحت الحكم الروماني. هذه الطبقات المتعاقبة من الحضارات منحت نسِبار شخصية فريدة، تجمع بين المعمار اليوناني، والروح البيزنطية، والملامح البلغارية الأصيلة. السير في شوارعها القديمة يشبه السير في متحف مفتوح، حيث تتجاور أطلال المعابد القديمة مع البيوت الخشبية ذات الطوابق العليا التي تعود للعصور الوسطى. جمال البحر وروح البلدة القديمة لا تقتصر جاذبية نسِبار على آثارها التاريخية فحسب، بل تمتد لتشمل طبيعتها البحرية وساحلها الرومانسي. تطل المدينة على مياه البحر الأسود الصافية التي تضفي عليها سحرًا خاصًا، وتمنح الزائرين فرصة للاسترخاء على الشواطئ القريبة أو القيام بجولات بحرية حول شبه الجزيرة. أما البلدة القديمة، فهي متاهة ساحرة من الأزقة المرصوفة بالحجارة، والمنازل الخشبية ذات النوافذ المزخرفة، والمقاهي الصغيرة التي تقدم القهوة البلغارية التقليدية على إطلالة البحر. كما يشتهر الطاحونة الخشبية القديمة الواقعة عند مدخل المدينة بأنها رمز نسِبار الدائم، وغالبًا ما يتوقف الزوار لالتقاط الصور عندها مع غروب الشمس، حيث يغمر الضوء الذهبي الميناء والبيوت القديمة في مشهد لا يُنسى. أسواق محلية ومذاقات لا تُنسى إلى جانب سحرها التاريخي، تشتهر نسِبار بأسواقها المحلية الصغيرة التي تبيع المنتجات الحرفية والمشغولات التقليدية مثل السيراميك والمنسوجات والمجوهرات المصنوعة يدويًا. ويمكنك تذوق المأكولات البلغارية الأصيلة في مطاعمها المطلة على البحر، مثل الأسماك الطازجة المشوية والسلطات المحلية والخبز البلغاري بالجبن، مع لمسة من المطبخ المتوسطي. كما تحتضن المدينة عددًا من المهرجانات الثقافية والفنية خلال الصيف، حيث تُقام العروض الموسيقية والمسرحية في الهواء الطلق بين أطلال الكنائس القديمة، ما يجعل الزيارة تجربة ثقافية متكاملة. تُعد نسِبار وجهة مثالية لعشاق التاريخ والرومانسية والهدوء، فهي مدينة صغيرة بحجمها لكنها كبيرة بروحها وتاريخها. تجمع بين البحر والآثار، وبين البساطة والجمال الخالد، لتذكّر زائريها بأن السحر لا يقاس باتساع المكان، بل بعمق التجربة. إنها بحق لؤلؤة البحر الأسود التي لا تبهت مع الزمن. تم نشر هذا المقال على موقع سائح