Maroc - ALBILADPRESS.COM - A la Une - 21/Nov 23:47

من قلب معلّم بحريني: هل انتهى زمن الوفاء للمربين؟

تمرُّ الأوطان بمراحل تُقاس فيها القيم أكثر مما تُقاس فيها الإنجازات. ومن بين هذه القيم التي بُني عليها تاريخ مملكة البحرين، كان الوفاء لأهل العلم، والاعتراف بعطاء من أفنوا أعمارهم في خدمة الأجيال. غير أنّ ما شهدته مؤخرًا جعلني أتساءل بمرارةٍ صادقة: هل انتهى زمن الوفاء للمربين؟ بعد أن سدت جميع الأبواب في وجهي من قبل وزارة التربية والتعليم وجامعة البحرين ورغم المناشدات المتعددة لهم في صحيفة “البلاد” الغراء لتحقيق رغبتي في مواصلة التدريس بجامعة البحرين بصفة متعاون بعد تقاعدي، إيمانًا بأنّ الخبرة التي تمتدّ لأربعة عقود لا تنتهي بانتهاء الخدمة، بل تتجدّد بالعطاء والعلم. وجّهتُ رسالةً عبر محافظة المحرق إلى الوالد الحنون الذي لا تضيع عنده الحقوق حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه. بعدها اتصلت بي الدكتورة مريم ناصر النعيمي من مكتب وزير الشؤون العامة د. ماجد النعيمي لتبلغني أن الرسالة قد حظيت بتعليق كريم وتزكية مشكورة، وأنه تم احالتها إلى وزير التربية والتعليم لمتابعة الإجراءات. إلا أنّ ما تلا ذلك كان صادمًا. فمنذ أسابيع وأنا أحاول – بكل احترامٍ وصبر – أن أعرف مصير الرسالة، لكن دون جدوى. لا من الوزارة ولا من جامعة البحرين وردني أيّ تواصل، رغم بدء العام الدراسي. ولأنّ الصمت لا يليق بمقام العلم، ذهبتُ بنفسي إلى مقر وزارة التربية والتعليم للاستفسار، حاملاً ما تبقى في قلبي من أملٍ واحترام، لكنّي فوجئت بمعاملةٍ رسميةٍ باردةٍ خالية من التقدير. فقد قدّمتُ بطاقتي، وعرّفت بنفسي لمن في المكتب، وذكّرتهم بأنني كنت أحد العاملين في الوزارة لعقود، وأنّ الوزير الحالي كان أحد طلابي في مرحلةٍ من مراحل حياته التعليمية. ظننت أن هذه المعلومة ستفتح باب الحوار الإنساني على الأقل، لكنها لم تفعل. حيث خرجتُ من المكتب كما دخلت، بلا جواب، وبقلبٍ يعتصره الأسى على زمنٍ يبدو أنّ ذاكرة الوفاء فيه بدأت تضعف. لقد حزّ في نفسي أن أُعامَل بهذه الطريقة في وزارةٍ أفنيت فيها عمري، وفي وقتٍ يتغنّى فيه الجميع بيوم المعلم وبدور المربي. أين الوفاء إذًا؟ أليس المعلم هو الذي غرس في النفوس معنى العطاء والانتماء؟ أليس هو من علّم صناع القرار أنفسهم يومًا كيف يكتبون، وكيف يحلّقون في سماء الوطن؟ رسالتي ليست عتابًا، بل نداء صادق للوطن الذي أحببته وخدمته بإخلاصٍ لأكثر من أربعين عامًا: أن نعيد الاعتبار للمعلم، وأن نضع الكرامة الإنسانية في مقدمة كل معاملةٍ إدارية، لأنّ الوطن لا يبنى بالقوانين وحدها، بل بالقلوب التي تُقدّر من بنوه. إنّني لا أطلب امتيازًا ولا مكافأة، بل فقط إجابة على رسالةٍ رُفعت إلى المقام السامي، وحظيت بتزكيةٍ من الوزير ماجد النعيمي، وما زلت أنتظر أن تصل إلى مسارها الصحيح. وإن لم أجد الردّ، فلن أملك إلا أن أكتب مرةً أخرى، وأنشرها بكل شفافية في الصحافة الوطنية، دفاعًا عن المبدأ الذي علّمناه لأبنائنا: أن الصمت عن الحقّ ضعف، وأنّ الكلمة الهادئة الشريفة هي أرقى صور الوطنية. في يوم المعلم، لا أطلب تهنئة ولا احتفالًا، بل أن نتذكّر جميعًا أن المعلم الحقيقي لا يتقاعد من حبّ وطنه، وأن العطاء لا يرتبط بالراتب بل بالانتماء. رحم الله زمنًا كان فيه الاحترام لا يُطلب بل يُمنح، وكان فيه باب الوزارة يُفتح لمن علّم أبناءها معنى المسؤولية. د.شمسان عبدالله المناعي