Maroc - ALBILADPRESS.COM - A la Une - 22/Nov 18:42

شاتروغان سينها..ذكاء النجم ووقار البصمة الخالدة

في عالم السينما، لا تتكوّن الأيقونات من مجرد موهبة عابرة أو حضور لامع، بل من ذكاء فني عميق وقدرة على ابتكار ملامح أداء لا تتكرر. هناك ممثلون يمرّون أمام الكاميرا، وهناك آخرون يصنعون لأنفسهم مساحة من الهيبة والتفرّد، مساحة تظل خالدة في ذاكرة المشاهد مهما تبدّلت أذواق الزمن. ومن بين هؤلاء يقف الممثل الهندي الكبير شاتروغان سينها كواحد من أهم وأقوى الوجوه التمثيلية، ليس في الهند وحدها، بل على مستوى السينما العالمية التي تقدّر الأداء المتين والاختيارات الجريئة. يمتلك سينها احترافية نادرة وعبقرية لا تخفى على من تابع مسيرته؛ فهو ممثل يفرض حضوره منذ اللقطة الأولى، ويجيد بناء الشخصية من الداخل قبل الخارج، مدفوعاً بثقة عالية ونبض داخلي واضح ينعكس على تفاصيل أدائه. والمتتبّع لجميع أفلامه سيكتشف أن سينها، بقدر ما يذوب في شخصياته، يترك في كل دور توقيعه الخاص، ذلك التوقيع الذي يجعل الشخصية جزءاً من تكوينه الإنساني والمهني معاً. إنه من هؤلاء الذين لا يمكن فصلهم عن الأدوار التي يجسدونها؛ فهما — هو وشخصياته — يبدوان كأنهما خُلقا من مادة واحدة، تتحرك بخبرة نجم يعرف تماماً أين يضع خطوته، وكيف يبني حضوره، ولماذا يظل في الذاكرة طويلاً. في تاريخه السينمائي الحافل، وبينما كان يعاصر تلك الفترة التي ازدهرت فيها أسماء عمالقة التمثيل في الهند مثل راج كابور، دليب كومار، شامي كابور، وراجيش كنا، ظهر شاتروغان سينها بينهم وطبعا مع رفقاء دربه مثل النجم الأسطورة بلا منازع دارمندرا ، وأميتاب باتشان وأخرون ،ليشق طريقه بثبات، فارضًا حضوره بقوة منذ انطلاقته الحقيقية في منتصف السبعينات. فقد جسّد أدوارًا لا تُنسى في مختلف الأفلام التي شارك بها، سواء كان الممثل الأول أو الثاني. ومن الملاحظات التي يسجلها أي متابع منصف لمسيرته أن معظم الأفلام التي ظهر فيها حققت نجاحًا لافتًا – الأفلام التي شاهدتها شخصيا - ، وتميزت بطرح رؤى جديدة لسينما جادة وعميقة، كما قدّم فيها سينها صورة المواطن الهندي في حالاته المختلفة وأنماط عيشه. ومن بين أهم أفلامه: فيلم "الصداقة" (1980) للمخرج راج خوسلا، الذي شاركه بطولته النجم أميتاب باتشان، وحقق الفيلم أرباحًا كبيرة وجاء رابعًا في قائمة أقوى أفلام ذلك العام، إضافة إلى نيله أربع ترشيحات في حفل جوائز فير. كذلك فيلم "كرانتي" للمخرج والفنان الكبير مانوج كومار، وهو الأعلى إيرادًا في عقد الثمانينات، وجسّد فيه شخصية المناضل المسلم كريم خان الذي ناضل مع أبناء شعبه من مختلف الديانات ضد الاستعمار الإنجليزي. ولا يمكن إغفال فيلمه التاريخي "نصيب"، الذي أصبح علامة فارقة في تاريخ السينما الهندية، وفيه أدى دور "فيكي" بإتقان لافت، ويُعد — من وجهة نظري — أكثر أفلام المخرج مانموهان ديساي اكتمالًا في تلك الفترة.   "حكاية الصورة" في عام 1985، وكان عمري حينها ستة عشر عامًا، سافرت مع والدي إلى بومباي للعلاج. وبفضل معارف الوالد هناك، كونه من رواد السفر إلى المدينة، حصلت على عنوان شاتروغان سينها. كتبت له خطابًا أعبر فيه عن إعجابي الشديد بتمثيله، وطلبت منه صورة موقعة. لم أكن أتوقع أن يرد على رسالتي نظرًا لنجوميته والكم الهائل من رسائل المعجبين آنذاك، في زمنٍ لم تكن فيه وسائل التواصل الاجتماعي موجودة، وكان البريد هو السبيل الوحيد للتواصل مع النجوم. وبعد خمسة أيام فقط، وصلني ظرف منه وبداخله صورة موقعة بخطه. طرت فرحًا، وكانت سعادتي لا توصف، فقد حصلت على صورة وتوقيع نجمي المفضل في السينما الهندية… ولا يزال حتى اليوم.   "مسيرة توجت بأرفع الجوائز" تُوجت مسيرة النجم شاتروغان سينها بعدد من الجوائز الرفيعة، من بينها جائزة أفضل ممثل في عدة أفلام، وجائزة فخر صناعة السينما، وجائزة ستاردست للإنجاز مدى الحياة، وجائزة كيشور كومار الوطنية، وجائزة زي سينما للإنجاز مدى الحياة، وغيرها من التكريمات التي تليق بتاريخه وعطائه. ورغم أنه أبتعد عن الأضواء خلال السنوات الأخيرة إلا سيبقى نجما ساطعا وصنع لنفسه مجدا لا يزول .