Maroc - ALBILADPRESS.COM - A la Une - Hier 22:01

البحرين وماليزيا.. نصف قرن من الشراكة وآفاق تعاون متجددة

في العام 2024 احتفلت مملكة البحرين وماليزيا بمرور خمسين عامًا على إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما رسميًا (منذ العام 1974)، وقد شهدت هذه العلاقات تطورًا ملحوظًا في الآونة الأخيرة مع تكثيف الزيارات الرسمية وتوقيع اتفاقيات تعاون جديدة. وتمتد أواصر الصداقة بين البلدين على أساس القيم المشتركة والاحترام المتبادل، وتُرجم ذلك إلى شراكة إستراتيجية متعددة الجوانب تشمل التعاون السياسي والاقتصادي والتعليمي والثقافي. علاقات متميزة ولقد شهدت الفترة الأخيرة تواصلًا سياسيًا مكثفًا بين البحرين وماليزيا، تُوج بزيارات تاريخية واتفاقيات جديدة. في فبراير 2025، قام رئيس الوزراء الماليزي داتوك سري أنور إبراهيم بزيارة رسمية إلى البحرين، وُصفت بأنها “علامة فارقة” تزامنت مع مرور نصف قرن على العلاقات. وفي هذه الزيارة، بحث أنور مع ملك البلاد المعظم صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وولي العهد رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، سُبل تعزيز التعاون الثنائي في مجالات متعددة، بما فيها التكنولوجيا المالية الإسلامية والتعليم والسياحة. وفي اللقاء أكد الجانبان أهمية الارتقاء بالعلاقات إلى مرحلة جديدة من التعاون الموسع لتحقيق منفعة الشعبين. كما حظي أنور بشرف إلقاء كلمة في مؤتمر الحوار داخل العالم الإسلامي الذي استضافته المنامة، في دلالة على الدور الريادي لماليزيا في العالم الإسلامي. وفي المقابل، شهد شهر مايو 2025 زيارة بارزة لولي العهد رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، إلى كوالالمبور لحضور قمة رابطة أمم جنوب شرق آسيا (آسيان) ومجلس التعاون الخليجي. وعلى هامش هذه القمة، عقدت اجتماعات ثنائية أثمرت توقيع سبع مذكرات تفاهم شملت طيفًا واسعًا من المجالات لتعزيز التعاون الثنائي. وقد تضمنت هذه المذكرات مجالات الاستثمار والتجارة والتمويل الإسلامي والمصارف، والتعاون الدفاعي، وتطوير صناعة الحلال، والتعاون في صناعة أشباه الموصلات، والزراعة والمنتجات الزراعية، إضافة إلى السياحة وتعزيز الربط الجوي. وتعكس هذه الاتفاقيات إرادة البلدين في توسيع نطاق الشراكة الاستراتيجية بينهما. ومن التطورات الدبلوماسية البارزة أيضًا زيارة الدولة الأولى التي قام بها ملك ماليزيا السلطان إبراهيم، إلى البحرين في نوفمبر 2025 بدعوة من ملك البلاد المعظم صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة. وتُعد هذه الزيارة أول زيارة دولة لعاهل ماليزي إلى البحرين منذ إقامة العلاقات بالعام 1974، وتمثل فصلًا جديدًا في توطيد الروابط التاريخية الممتدة بين المملكتين. هذه التفاعلات الرفيعة المستوى – بما فيها أيضًا حضور جلالة الملك المعظم قمة تنصيب ملك ماليزيا وزيارات سابقة متبادلة – تعكس عمق علاقات الأخوة والصداقة بين القيادتين، وتسهم في تعزيز التفاهم السياسي وتنسيق المواقف في المحافل الدولية. تعاون مستمر وفي السياق ذاته، شهدت العلاقات الاقتصادية بين البحرين وماليزيا نموًا مطردًا بالسنوات الأخيرة، مدعومًا بإرادة سياسية لتعميق الشراكة الاقتصادية. وبلغ حجم التبادل التجاري الثنائي في العام 2024 نحو 260 مليون دولار (نحو 1.09 مليار رينجيت ماليزي)، إذ مثّلت الصادرات الماليزية إلى البحرين نحو 54.8 مليون دولار من هذا الرقم، في حين بلغت واردات ماليزيا من البحرين نحو 205.6 مليون دولار. وتُعد البحرين حاليًا الشريك التجاري التاسع لماليزيا في منطقة غرب آسيا، بينما تحتل ماليزيا المرتبة الثالثة بين شركاء البحرين التجاريين في “آسيان” والـ 18 عالميًا (بحسب بيانات 2023)؛ ما يبرز أهمية كل منهما في الأسواق الإقليمية للآخر. كما تعزَّز التعاون الاستثماري عبر مذكرات تفاهم واتفاقيات اقتصادية حديثة، فعلى سبيل المثال، وقّع مجلس التنمية الاقتصادية البحريني (EDB) مذكرة تفاهم مع هيئة تطوير منطقة إسكاندر الماليزية؛ بهدف إطلاق مشاريع مشتركة في التنمية الصناعية ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والتعاون في مجال الطاقة. كذلك أبرمت البحرين اتفاقًا مع مؤسسة موارد البترول الماليزية (MPRC) لاستكشاف فرص التعاون في قطاع النفط والغاز، بما يمهّد لمزيد من التكامل الاقتصادي في مجالات الطاقة. هذه الشراكات تعكس إدراك البلدين لأهمية تنويع التعاون الاقتصادي ليشمل مجالات حيوية متقدمة مثل الطاقة والصناعات التقنية. وعلى صعيد الربط اللوجستي وتعزيز الاستثمار المشترك، خطت ماليزيا والبحرين خطوة نوعية أواخر العام 2025 تمثّلت بتوقيع خطاب نوايا بين مجموعة كابيتال A (الشركة الأم للخطوط الجوية الماليزية الاقتصادية “إير آسيا”) ووزارة المواصلات البحرينية. ويهدف هذا الاتفاق إلى جعل البحرين مركزًا إقليميًا لعمليات “إير آسيا” في الشرق الأوسط؛ ما يعني إنشاء جسر جوي يربط “آسيان” بمنطقة الخليج، ويضع خطاب النوايا إطارًا شاملًا لتعميق التعاون في مجال الطيران والاقتصاد، بما في ذلك التخطيط لفتح خطوط طيران مباشرة جديدة، وتعزيز خدمات الشحن والخدمات الهندسية، وتطوير البرامج التدريبية لاستقطاب وتأهيل الكفاءات البحرينية في صناعة الطيران. تعاون علمي وأكاديمي أولى كل من البحرين وماليزيا اهتمامًا خاصًا بتعزيز جسور التواصل في مجال التعليم وتبادل المعرفة. وقد أثمر ذلك تعاونا بين المؤسسات الأكاديمية في البلدين وبرامج لتبادل الطلاب؛ ففي ديسمبر 2024، وقّعت جامعة الخليج العربي في البحرين مذكرة تفاهم مع جامعة كبانغسان الماليزية (UKM) بهدف توسيع التعاون الأكاديمي والبحثي. وتشمل هذه الاتفاقية مجالات حيوية مثل التعليم العالي والعلوم الطبية، وتنص على تنفيذ برامج تبادل للطلبة وأعضاء هيئة التدريس وتنظيم ورش عمل ومؤتمرات علمية مشتركة. كما تهدف المذكرة إلى تطوير مناهج ومشاريع بحثية مشتركة في التخصصات الطبية والصحية، بما يسهم في تبادل الخبرات والمعرفة بين الجانبين. هذه الشراكات الجامعية تعكس حرص البلدين على الاستثمار في رأس المال البشري، وخلق منصات لتطوير المهارات والبحوث العلمية التي تخدم التنمية الوطنية في كلا البلدين. (اقرأ الموضوع كاملا بالموقع الإلكتروني). وعلى مستوى التعاون الحكومي في التعليم، برزت ماليزيا كوجهة مفضلة للطلبة البحرينيين بالسنوات الأخيرة، إذ أكد مسؤولون بحرينيون أن المرحلة المقبلة من الشراكة ستركز على توفير فرص تعليمية أكبر للطلاب البحرينيين في الجامعات الماليزية. ويُنظر إلى ماليزيا بوصفها مركزًا تعليميًا إقليميًا يضم جامعات مرموقة وبرامج دراسية متقدمة؛ ما يجعلها خيارًا جاذبًا للطلاب من البحرين ودول الخليج عمومًا. وقد شهدت الفترة الماضية بالفعل ازديادًا في التبادل الطلابي، مع وجود عشرات من الطلبة البحرينيين الملتحقين بمؤسسات التعليم العالي الماليزية في تخصصات متنوعة، يقابله أيضًا عدد من الطلاب والأساتذة الماليزيين في جامعات البحرين ولاسيما في التخصصات التقنية والطبية. جسور متصلة إلى ذلك، يمتد التعاون بين البحرين وماليزيا إلى المجالين الثقافي والديني، مستندًا إلى القيم الحضارية والإسلامية المشتركة بين الشعبين، وقد شهد العام 2024 فعاليات ثقافية احتفاءً بمرور خمسين عامًا على العلاقات، أبرزها مهرجان “ماليزيا في البحرين” الذي أقامته السفارة الماليزية في المنامة تحت شعار “نجلب ماليزيا إليكم”. وأُقيمت فعالية الإطلاق في نوفمبر 2024 في “واتر جاردن سيتي” بالعاصمة البحرينية، بحضور مسؤولين ومواطنين من البلدين، وتخللتها عروض فنية عاكسة للتنوع الثقافي الماليزي، كما تضمن المهرجان “بازار ماليزيا 2024” في مجمّع “oasis mall” بمنطقة الجفير، إذ قدم عروضا فولكلورية وأطباقا تقليدية ماليزية ومنتجات حرفية، بما أتاح للبحرينيين التعرف من كثب على تراث ماليزيا وثقافتها. وعلى صعيد التعاون الديني والقيمي، يجمع البلدين الإرث الإسلامي الغني والانتماء إلى منظمة التعاون الإسلامي (OIC)؛ ما يهيئ أرضية لتنسيق جهودهما في القضايا الإسلامية العالمية، فكلا البلدين يسعيان إلى نشر قيم الاعتدال والتسامح، ويتجلى ذلك في مشاركتهما بمؤتمرات الحوار بين الثقافات والأديان. وقد استضافت البحرين بالعام 2025 المؤتمر الأول للحوار داخل العالم الإسلامي (IIDC) لتعزيز الخطاب الديني الوسطي، وكان لافتًا أن رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم كان ضيف الشرف الوحيد من بين رؤساء الحكومات الذي أُلقيت كلمته في المؤتمر، وهو ما عُدّ تكريمًا لدور ماليزيا ومكانتها في العالم الإسلامي. آفاق مستقبلية ومع دخول العلاقات البحرينية - الماليزية عقدها السادس، تبدو آفاق المستقبل واعدة بمزيد من التعاون والتكامل، ويؤكد قادة البلدين أن هذه الشراكة التاريخية تقف اليوم على أعتاب مرحلة إستراتيجية جديدة؛ فقد شدد  جلالة الملك المعظم ورئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم، لدى لقائهما في كوالالمبور (يوليو 2024)، على ضرورة مواصلة الجهود لتعزيز التعاون في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والتعليمية والثقافية والسياحية حتى الصحية. ووصف أنور ذكرى اليوبيل الذهبي للعلاقات بأنها منطلق لفرص جديدة من التعاون والصداقة تتجاوز الميدان الاقتصادي، لتشمل تبادل الخبرات في قطاع المصارف الإسلامية العالمي وغيره. من جانبه، أكد السفير البحريني في ماليزيا أن هذه المناسبة تمثل فرصة لتجديد العزم على الارتقاء بالشراكة إلى آفاق جديدة وشاملة بما يعزز الأمن والسلام والتنمية المستدامة إقليميًا ودوليًا.