Maroc - ALITTIHAD.AE - الرئيسية - 27/Oct 20:15

شاطئ باتونغ

تهرب الأمواج من الجُزر البعيدة، تأتي مُختالة ومبتسمة، هذا شاطئ (باتونغ) الساحر الجميل، هذه الرمال الذهبية تُعانق الاخضرار المحيط بكل شيء، أشجار عالية تُناجي السماء.. يستدير الشاطئ في انحناءات رائعة، وكأنّه عقد لؤلؤ، يزيّن صدر المدينة، تعرّجات نادرة التكوينات الطبيعية، بين تلال خضراء وجبال لا تشبه تلك التي نعرفها، جبال من نباتات عجيبة وجميلة جداً، تكوينات أبدع الخالق في صنعها، ثم أرسل أمطاراً لا تنقطع أبداً.. لا تكاد الشمس تميل إلى الغروب، حتى تسارع المزن والغيم بالحضور، ويحتل المطر المدينة والطرقات والدروب، كل ليلة أنت موعود بالمطر، بل كل فترة قصيرة ومن حيث لا تدري، ترعد السماء ويتحول النهار إلى ظلال بديعة من الغيم، ثم ينهمر الغيث.. تسرقك المدينة ويذهب بعقلك جمال شاطئ باتونغ في بوكيت... قد يتوقف الزمن هنا لحظات، لتنظر إلى الخلف، حيث أودعت الرمل قبل فترة وتركت ريح الجنوب (السهيلي)، ينثر رمال الصحراء في فضاء مفتوح، لا تنبت فيه غير شجيرات الغاف تحرسه !... هنا كل الأشجار وكل الاخضرار يحرس المدينة، مُذهل هذا الشاطئ، في زاوية انحناء البحر، يظهر مقهى صغير بعنوان (بيت البحر) يطل على شاطئ باتونغ، يجلس الفنان التايلاندي (جاك) وتحيط به أعمال فنية كثيرة، تبرز لوحته الجميلة، والتي تعبّر عن ابتسامات الموج والبحر، عمل بديع وتدرّجات بين الأزرق والأبيض، إنه محيط أو سماء، ماء أو نهر أوبحر، عمل يبتهج للحياة، فاجأني هذا الفنان بالتشابه في حلم الفكرة والعمل، الذي ينشده من خلف هذا الفن الجميل، يظهر وكأنه أستاذ أو معلم، وهب حياته للفن، حيث يحتل المقاعد المستطيلة عدد من الطلاب أو التلاميذ، الذين للتوّ يتعرفون على اللون والريشة والخطوط الفنية.. يقف الفنان (جاك) ليرشد الصغار والجدد في عالم ومدرسة الفن، يوجّه هذا ويأخذ بيد الآخر إلى إكمال ما بدأ به من خطوط أو ألوان، أمامهم يظهر شاطئ باتونغ والمدينة، والأمواج العجيبة، التي تأتي من بعيد مبتسمة، حاملة بياض الزّبَد، وكأن البحر مبتهج بالناس والطبيعة الخلابة والفن.. هذا الفنان الجميل ذكّرني بالمرحوم الفنان حسن شريف، عندما كنت أزوره في مرسمه وعمله في وزارة الشباب في المرقبات بدبي، دائماً يكون مشغولاً في عمله الفني ومنسجماً مع وحدته وتشكيلاته الفنية، لا يتحدث، بل يومئ إليك، أن تنتظر حتى ينتهي من تنفيذ ما بيده من عمل وينهي فكرته الفنية.. انتظرت الفنان (جاك) حتى انتهى من إرشاد صبية صغيرة، ساعدها في أن تكون الخطوط والألوان بالطريقة التي يجد أنها أجمل، اكتملت فكرته وترك الصغار ينفّذون مشروعهم الفني الصغير.. الفنانون يشابهون في نظرتهم للحياة والفن والإبداع، تماماً كما عرفنا العديد منهم.. قدّم الفنان (جاك) شرحاً صغيراً عن فكرته، قائلاً: «هذا مقهى لتقديم القهوة والمشروبات الأخرى، وكذلك معرض فني، يأتي إليه عشاق الفن من المحبين، ينفّذون أفكارهم، أضيف إليها بعض الإرشادات إن لزم الأمر، وأختار أجمل الأعمال وأعرضها على جدار هذا المقهى، يسعد بها الناس وزوار المكان، هؤلاء الصغار هم مشاريع الفن القادم».. هذا الفنان صاحب مشروع فني ينشد الإبداع وحب الجمال والحياة والفن.. تأكد لي أن الفنانين زهور جميلة في شجرة كبيرة واحدة، هي الفن، لاشيء يعادل لوحة رائعة تزين جداراً أو ساحة أو موقعاً في المدينة.