فضيلة المدنـي إحدى المتعافيات من سرطان الثدي. امرأة مكافحة وعصامية، تتقن مواجهة...
Vous n'êtes pas connecté
لم يخطر ببال نورة عبدالله يومًا، وهي تجلس في محاضرة للتوعية بسرطان الثدي، أنها ستضطر في يوم من الأيام إلى إجراء هذا الفحص.. كانت تستبعد إصابتها إطلاقا، لكن القدر فاجأها بعد سنتين من التقاعد؛ ذلك التقاعد الذي اختارته لتتذوق طعم الحياة بعيدا عن سلطة العمل، ولتكون أقرب إلى طفليها التوأمين. وكانت تلك الدقائق البسيطة في المحاضرة طوق نجاتها، إذ مكنها الفحص من الاكتشاف المبكر. أنت مصابة بسرطان الثديس، هكذا بكل بساطة نطقها الطبيب.. كلمات هزت كيانها، وبعثرت هدوءها، وملأتها بضجيج من الخوف والقلق، فكانت بمثابة حكم بالموت عليها. لكنها في الوقت ذاته بعثت فيها روحا جديدة، وجعلتها تبصر الحياة بعيون مختلفة، وترى ما لم تره من قبل، وتكتشف الحقيقة التي كانت مخبأة في زحمة الدنـيا. لم تكن تجربتها نزهة عابرة، بل واجهت جحيم المرض وظروف العلاج القاسية ببسالة، حتى وصلت إلى مرحلة التعافي؛ تعاف مشروط بتجاوز الخمس السنوات بأمان، فهي تعيش بحذر إيجابي؛ حذر لا يسلبها طمأنـينتها ولا اندفاعها في الحياة. حكايتها مع سرطان الثدي لم تنته بمرحلة التعافي، فقررت أن تخوض معركة الوعي في سبيل تثقيف المجتمع ودعم المحاربات، فتخطط لتوثيق قصتها في كتاب يكون رسالتها للعالم وبمثابة جرعات معنوية وتجربة ملهمة للآخرين. نورة تدير حاليا صالونا نسائيا، خصصت فيه قسما خاصا لمحاربات السرطان لتلبية احتياجاتهن، فهي تعرف تماما ما يحتجنه. ولكل امرأة تتجاهل الفحص المبكر، تحذر نورة من أن الندم لا ينفع، فالسرطان، أقرب إلينا مما نتوقع! تعــاف مشــروط وحــذر إيجابــي نبأ غير متوقع قررت نورة التقاعد من وظيفتها في شركة بتلكو العام 2022؛ لتتفرغ لطفليها التوأمين وتمنحهما كل وقتها واهتمامها، وتتيح لنفسها مساحة أكبر لممارسة أمومتها. فقد أنهكها العمل بما يحمله من ضغوط ومسؤوليات وتوتر، فكانت تضطر إلى العمل حتى في فترات الإجازة، إذ لم يكن هناك وقت عمل محدد. استقبلت بداية التقاعد بنوبة زكام حادة مع حالة ضعف عام وخمول استمرت معها لمدة شهرين حتى تعافت. وعاشت حياتها جلها في تربية أطفالها وواجبات الأمومة، وكان قد مضى على تقاعدها من العمل في شركة بتلكو سنتان، وكانت كل أمورها الصحية على ما يرام، لكن في يوم من الأيام وحين ارتدت ملابس ضيقة شعرت بألم شديد جدا في الثدي، فأجرت الفحص الذاتي الذي تعلمته سابقا في محاضرات التوعية بشركة بتلكو لمتعافية من سرطان الثدي. ولم تكن تشعر بأهمية تلك المحاضرات، أو أنها ستضطر يومًا لإجراء هذا الفحص الذي سيحدد مستقبلها في الكشف المبكر. وأثناء الفحص شعرت بكتلة، لكنها طمأنت نفسها بأنه ما دام غير مؤلم فلن يكون سرطانا، إذ ما يشاع أنه مؤلم. فقررت الذهاب إلى المستشفى لمزيد من الفحوصات، وتم أخذ خزعة. وبعد أربعة أيام من القلق والخوف ذهبت مع زوجها لتعرف النتيجة، وكانت تعيش حالة من الاطمئنان بأنه ليس سرطانا، وتستعد لخبر إيجابي، لكن رد الطبيب كان صادما؛ إذ أخبرها مباشرة ودون مقدمة: زأنت مصابة بسرطان الثديس. صدمة وذهول ما إن نطق الطبيب بكلمة سرطان وأخبرها بنتيجة التحليل، حتى انتابها شعور لا يوصف بين الصدمة والذهول، وأصبحت شاردة الذهن لا تسمع بقية كلمات الطبيب. فالسرطان في مفهومها كان مرادفا للموت، فاجتاحها ضجيج من الرعب والخوف. وأرادت على الفور معرفة مرحلته، إن كان منتشرا أم لا، وكانت مصرة على إجراء الفحص دون تأجيل. فجاءت النتيجة مطمئنة: لم يكن قد انتشر. التشخيص غيّر نظرتها للحياة وعن صدى التشخيص قالت: "السرطان غيّر نظرتي للحياة ولكل شيء، وأصبح الوقت ثمينا، واللحظات مهمة ومقدسة. فنحن دائما في دوامة ونهمل الاهتمام بأنفسنا وبصحتنا. وكان التشخيص بمثابة النور الذي أضاء لي العتمة، ومنح الألوان للصور الرمادية الباهتة في حياتي، ومنحنـي الإشراق". أصبحت تستمتع بكل لحظة في حياتها، ففترة العلاج كانت صعبة وملازمة للسرير لفترات طويلة جدا، ما جعلها تشتاق لأبسط الأمور؛ كارتشاف القهوة في حديقة المنزل، أو مشاهدة العصافير والطيور فوق منزلها. كانت تنتبه لأول مرة لوجودها! وتمعن النظر وتتأمل، وأصبحت تستمتع دائما بكل ما حولها. انتعاش الحب حصدت نورة الكثير من الإيجابيات في هذه الرحلة، فقد تواصلت معها الكثير من صديقات الجامعة ووقفن بجانبها، كما توطدت علاقتها بأمهات زملاء أطفالها وأصبحن صديقات لها. هكذا أصبحت حياتها؛ كل من حولها يزداد حبا ويريد مساعدتها، لكن الكل يساعد بطريقته الخاصة؛ فبعضهم يرى أن المساعدة تكمن في الابتعاد لتكون أكثر راحة، والبعض الآخر في إحضار ما تحب من طعام وشراب. لكنها تقول: زيجب أن نطلب ما نريد نحن بالضبط حتى نحصل على الدعم المطلوب من الأصدقاء والأقارب. فنحن نحتاج أن يكونوا بجانبنا دائما، نحتاج أن نتكلم معهم، ويشاركوننا أفكارهم، ويتحملون بعض مسؤولياتنا لكي نتفرغ لصحتناس. وأضافت: "اكتشفت أن ربي يحبنـي ومعي ولله الحمد، واكتشفت أننـي أقوى بكثير مما أظن، وقادرة على فعل أشياء كثيرة كنت أعتقد أننـي أحتاج المساعدة لفعلها، سواء لنفسي أو لأطفالي". توقفوا عن جلد الذات دعت إلى التوقف عن جلد الذات، خصوصا في التربية، فأشارت إلى أنها كانت كباقي الأمهات دائما تشعر بأنها مقصرة في حق أولادها، مع أن وقتها وجهدها كانا مكرسين لهم. وتابعت: "ولكن بعد هذا المرض الذي كاد يأخذنـي منهم، اكتشفت أن وجودي بجانبهم وأنا بصحة جيدة هو أهم ما يمكن أن أقدمه لهم. فيجب أن أهتم بصحتي الجسدية والنفسية جيدا كي أبقى قوية وبجانبهم. شريط من الذكريات المؤلمة لا يمحى شريط من الذكريات المؤلمة واللحظات الصعبة ما يزال خالدا وعالقا في ذهنها. فصحيح أن العلاج أزال الورم، لكنه لم يستطع اقتلاع الذكريات المعبأة بالخوف والألم والقلق من عقلها، فتقول: "أصعب موقف في رحلتي مع سرطان الثدي كان لحظة إخباري بالمرض. كلما عادت هذه اللحظة إلى ذاكرتي، أستعيد شعور الخوف من جديد، وكم أتمنى أن يختار الأطباء كلمات لطيفة، ويمهدون للمريض عند إخباره". وتضف أن أصعب مرحلة في العلاج كانت مرحلة العلاج الكيميائي، وما أدراك ما الكيميائي! فهو ليس مؤلما كما كانت تظن، لكنه يقلب الجسد ويغرقها بشعور الغثيان الحاد والإعياء الشديد. كانت أحيانا ترفض إكمال الجرعات، فتحدثت مع طبيبتها التي وصفت لها أدوية للتخفيف من آثار الكيميائي، وكان أثرها إيجابيا إلى حد ما. وتابعت:"لحظة سقوط الشعر كانت محطة أخرى من صعوبات تلك المرحلة. ومع أننـي كنت أعلم أن هذا سيحدث، وكنت مستعدة نفسيا، إلا أن لحظة وقوعه تبقى صعبة. وارتداء الباروكة لم يسعفنـي؛ فكانت لافتة وتثير انتباه الجميع، ويمطروننـي بنظراتهم، وكان شعورا متعبا ومرهقا لأبعد حد". وأضافت أنه عندما بدأ الشعر بالنمو، قررت خلع الباروكة بسبب حرارة الصيف، وكان شعرها صغيرا ومحدودا كالأولاد. وظلت تلاحقها نظرات الناس، فكانت تضع الأقراط ومساحيق التجميل لتخبرهم بأنها أنثى. التعافي المشروط تعيش نورة الآن مرحلة التعافي، ومع أنها اجتازت ظروف المرض القاسية وأصبحت آلامه ذكرى من الماضي، إلا أنها ما زالت تشعر بالخوف والتوتر والقلق من عودته. فقد أخبرها الأطباء أن عليها أن تجتاز خمس سنوات؛ لكي تتأكد من التعافي التام وتصل إلى مرحلة الأمان. لذلك، هي حريصة دائما على المراجعات الدورية، وتحاول أن تشغل نفسها بكل ما هو جميل، وتستمتع بكل لحظات الحياة، وتستفيد من كل النعم التي أنعم الله بها عليها، وتتحرر من كل تبعات وترسبات الماضي الأليم، فتعيش حياتها كأي امرأة، ولكن بحذر إيجابي؛ حذر لا يسلبها طمأنـينتها واندفاعها في الحياة. حكاية لا تنتهي بالتعافي حكايتها مع سرطان الثدي لم تنته بمرحلة التعافي، فقررت أن تخوض معركة الوعي في سبيل تثقيف المجتمع ودعم المحاربات، وتسعى لنشر قصتها لأكبر عدد ممكن؛ لتكون حافزا على الاهتمام بالفحص المبكر، كما تخطط لتوثيقها في كتاب يكون رسالتها للعالم وبمثابة جرعات معنوية وتجربة ملهمة للآخرين. كما تسعى أيضا لنشر مقاطع فيديو توعوية. وهي تدير حاليا صالونا نسائيا، وخصصت قسما خاصا فيه لخدمة محاربات السرطان، وذلك لحاجتهن إلى الخصوصية والتعقيم المضاعف، وليلبي احتياجاتهن، فهي تعرف تماما ما يحتجنه. وتؤكد أن المرض لم يسلبها ذاتها أو ينل منها، بل أضاف لها الكثير؛ إذ منحها صديقات وفيات، وحبا أكثر من زوجها وأطفالها، ودافعا أعظم لاستغلال الوقت وحب الحياة. وتشعر بالفخر والمسؤولية تجاه النساء الأخريات، فتجربتها مصدر إلهام لهن، ولذلك ترى أنه يجب أن تكون قوية دائما لتقدم لهن الدعم والمساندة والنصائح التي تعلمتها من تجربتها. السرطان أقرب منا أكثر مما نتوقع ووجهت رسالة إلى جميع النساء: "الكشف المبكر ينقذ حياتك وحياة من حولك، فما يجعل السرطان خطيرا هو اكتشافه في مرحلة متأخرة. لن يضرك الكشف، فافعليه بشكل دوري للحفاظ على حياتك". ولكل امرأة تتجاهل الفحص المبكر، حذرت من أن الندم لا ينفع، فالسرطان منتشر بشكل كبير، وليس بالضرورة أن يكون وراثيا، وهو أقرب إلينا مما نتوقع! وتابعت: "أتمنى إنشاء جمعية أو ناد للدعم النفسي والمعنوي، فما مررنا به وعايشناه ليس سهلا أبدا، والعلاج صعب وطويل جدا. نحن نستحق الطبطبة والمداراة وتخفيف معاناتنا، وأشعر بالكثير من السعادة حين أجد جهة تقدم شيئا للمتعافيات والمحاربات". وأوضحت أن لكل حالة طريقة علاج مختلفة تماما، فليست كل الحالات تحتاج إلى علاج كيميائي، كما أن ليس كل أنواع هذا العلاج تسبب سقوط الشعر. "السرطان" برغم بشاعة هذه الكلمة وحروفها المدمرة لعنفوان النفس وجسدنا الضعيف، وارتباطها بمفردات الموت والألم، لكنها في ذات الوقت تضخ روحا جديدة وتوقظ فينا بصيرة لم نكن ندركها، ونظرة مختلفة للحياة؛ فيصبح الوقت ثمينا، واللحظات مقدسة، ويكون قنديلا يضيء العتمة؛ فنبصر الأشياء على حقيقتها كما لم نشاهدها من قبل، وتمنح الألوان للصور الرمادية الباهتة في حياتنا، لتمنحها الإشراق. لا أجمّل الصورة البشعة للسرطان، ولكن التجربة منحتنـي قدرة على التقاط ما وراء الأشياء، كانعكاس حروف الألم إلى أمل. في نضالنا ضد سرطان الثدي، سلاحنا الوحيد هو الفحص المبكر، ولكل امرأة تتجاهل هذا، أحذّر من أن السرطان هو أقرب إلينا مما نتوقع، فلا ينفع الندم بعدها.
فضيلة المدنـي إحدى المتعافيات من سرطان الثدي. امرأة مكافحة وعصامية، تتقن مواجهة...
التجربة لا تستوعبها الكلمات في معظم حالات سرطان الثدي التي وثقتها...
أتقنت فلسفة الجسد والاستماع إلى صوتي الداخلي محاربات سرطان الثدي هن مستودع...
ابتسامتها لا تفارق شفتيها أبدا.. ابتسامة تجبرك على الابتسام وسط ركام الدنـيا وما...
اليقــين يمــنح المريــض الراحة والطمأنيـنة شهر أكتوبر الوردي هو الشهر...
غدير عبدالعزيز حكواتية بارعة، تعيد قراءة قصص الأطفال، فتستنطق الحروف الجامدة،...
زهرة أحمد، مديرة قسم في أحد البنوك، امرأة تعشق الحياة، وكانت تعيشها طبيعية...
الندبات التي خلفها المرض وسام لقوتي لا عيب أخفيه سرطان الثدي أحد أشرس أنواع...
في كل تجارب سرطان الثدي، هناك دموع وحزن وألم، لكن ابتسام بدر اختارت أن تواجه المرض...
عفاف البلوشي، إحدى المتعافيات من سرطان الثدي، محاربة لا يوجد في قاموسها معنى...